قال الفقيه القائد آية الله الشيخ عيسى قاسم إنّ يوم القدسِ نابعٌ من الدّاخل الإسلامي، والإرادة الإسلاميَّة، وهو لتوحيد الأمَّة -كلمة وصفًّا وموقفًا- من أجل فلسطينها، وفلسطينيّيها، وقدسها، ومقدَّساتها.
وأوضح سماحته في بيانه بمناسبة يوم القدس العالمي أنّ خيار الأمّة هذا العام إمَّا يوم القدس العالمي، وإمَّا صفقة القرن وما أسماه ورشة الاستسلام والانكسار.
وهذا نصّ البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
مع أيٍّ يا جماهير الأمَّة وحكوماتها؟
هنا أمَّةٌ أكرم أمَّةٍ، وهي الأمَّةُ الإسلاميَّةُ المجيدة.
وهنا شهرٌ وهو أفضلُ الشهور، شهرُ اللهِ العظيم، وهنا يومٌ وهو آخر جمعة من الشهر الفضيل؛ يومُ القدس العالمي.
وخَيارُ الأمَّة -جماهير وحكومات- هذا العام:
إمَّا يوم القدس العالمي، وإمَّا صفقة القرن، وورشة السَّلام من أجل الازدهار، وللصدق: ورشة الاستسلام والانكسار.
يومُ القدسِ نابعٌ من الدّاخل الإسلامي، والإرادة الإسلاميَّة، وهو:
لتوحيد الأمَّة -كلمة وصفّاً وموقفًا- من أجل فلسطينها، وفلسطينييها، وقدسها، ومقدَّساتها.
ومن أجل إسلامها وقرآنها وهويَّتها الإيمانية وأصالتها.
ومن أجل تحرّرها، وتحرر كلِّ أرضها، وحقها في الاحتفاظ والاستفادة من كنوزها وثرواتها.
وصفقة القرن وورشة السَّلام من أجل الازدهار:
مِن املاء الإرادة الأمريكية والإسرائيلية وتخطيطهما.
ولتصفية القضية الفلسطينية.
وفرض الهيمنة الاستكبارية على الأمَّة بكاملها.
والمساومة على حرية الأمة، وعزّتها، وكرامتها، وحقِّها في أرضها، وسلامة حدودها، وإنسانية إنسانها، ودينه ومصيره بوعدٍ لم يعهد من أهله الوفاء.
وعدٌ بلقمة عيشٍ خسيسةٍ ذليلةٍ، وعدٌ لو صَدَق، وعَظُم، وأنتج بذخًا، وترفًا، ونعيمًا ماديًّا عريضًا، لما ساوى شيئًا مما يقابله من حريَّة الأمَّة، وعزّتها، واستقلالها، وسموّ دينها، وكرامة تاريخها، وموقعها الحضاري الذي تحتاجُه الأرضُ كلّ الأرض، والنّاس كل النّاس.
آخرُ جمعةٍ من هذا الشهر العظيم يضع الأمَّة أمام مسؤوليةٍ عظيمةٍ، وعلى مفترق طريقين، ما أخذتْ حكومةٌ أو شعبٌ بأحدهما إلا باينت الآخر، وصادمت سالكه، وناقضت الغاية التي ينتهي إليها، وقاومتها.
هنا طريقان:
طريقٌ إلى القدسِ: إلى تحريرها، وتطهيرها، إلى إحياء الدور الإلهي الهادي، الباعث، المحيي، الفاعل لمجدها العظيم، وكلمته السماوية المنقذة.
وهو الطريق إلى تحرير فلسطين المغتصبة كلها، وحريَّة الفلسطينيين، والأمَّة الإسلاميَّة كلها..
الطريقُ لضمان الكرامة، والسِّيادة، والأصالة، والأرض، والثروة، وحريَّة القرار.
وهو ذات الطريق لتحرير كلِّ أمّةٍ، وكلِّ شعبٍ، ولكلِّ قومٍ، وعرقٍ، ولونٍ، ولتثبيت العدالةِ -الصدق- في كلِّ أرض، وعلى كل مستوى من المستويات، وفي كلِّ بُعدٍ من الأبعاد..
الطريق إلى القضاء على عبوديَّة العبيد، والإبقاء على العبوديّة المشرِّفة الوحيدة، وهي عبوديَّةُ كلِّ عبدٍ وأَمَةٍ لخالقِ الإماءِ والعبيد. هذا طريق.
والطريقُ الآخرُ للقدس:
ولكن بفارقٍ شاسعٍ، عريضٍ عريضٍ، يباينُ بين الطريقين مباينة ما بين السماء والأرض، مباينة ما بين الحق والباطل للتباين الذي هو هكذا بين الغايتين.
إنَّه طريقٌ إلى القدس لكن:
لتمكين الصهاينة منها تمكينًا نهائيًا.
ليزيد من رجسهم رجساً ومن بغيهم بغياً، وقذارتهم المعنوية قذارة.
وليركّعوا إنسانها، ويذلّوه، ويضلّلوه، ويمسخوه كما هم يمسخون.
أمران:
يومُ القدسِ العالميّ.
وصفقةُ القرنِ، وورشةُ السَّلام من أجل الازدهار.
ليس منهما ما هو للمزاح.
يومُ القدسِ: للجدّ كل الجدّ في الحقِّ، والإصرار عليه والانتصار له، وتفديته.
وصفقةُ القرنِ: -وخطوته التنفيذية الأولى- جدٌ كلّ الجد في الباطل، ومن أجله، وعلى طريق تركيزه، وتوسيعه، وهيمنته.
وليس يومُ القدسِ العالميّ: لتفريغ شحنات القهر والغضب، ولا لتفريغ شحنات الأسى والألم، ولا لتدوّي الصرخات الفارغة في الأجواء الواسعة، ولا لثورة أمواج عاطفيّة عاصفة لساعة فتموت.
يومُ القدس:
حتّى لا تبرد العواطف، ولا تبله، ولا تُنسى القضية، ولا تُغفل، ولا يذبل الوعي، ولا يُسرق، ولا تترك الساحة لِلعب المتآمرين على الأمَّة، والسَّاسة الخونة، وباعة المقدَّسات ليملأوها غباءً، وبلاهةً، وخوفًا، ورعبًا وشعورًا متقزّمًا، وارتعادًا من القوى -الطاغوتية الاستكبارية في الأرض- الراعية، والحامية والذائدة عن إسرائيل.
إنَّه لقطع الطريق على كلِّ الخونة، ولصوص الأمَّة، وطلاّب الدنيا، ومرتزقة الاستكبار، والمحتمين -من الشعوب التي أوغلوا في إذلالها وعذابها- بأمريكا وإسرائيل، وتيئيسهم من جدوى الاستمرار في تضليل الأمة، وخلخلة صفوفها، وتجهيلها، ومحاولة تقزيمها، وهزّ ثقتها على القدرة على النهوض، والتحرر، وكسر القيود، واستعادة ريادتها الحضارية للعالم، وكسر شوكة الطاغوتية المتعملقة في الأرض اليوم.
إنَّه لتجديد جماهير الأمَّة العهد مع القدس والأقصى، وكل فلسطين، وكل مقدسات الأمة وقضاياها الغالية، وكل شبر من أرض الإسلام، وكل مستضعف في العالم؛ بأنَّه لا سكوت على باطلٍ، ولا تسليم بواقعٍ فاسدٍ، ولا صمت أمام عدوانٍ، ولا تفريط في حقٍّ، ولا هزيمة أمام الاستكبار، ولا تراجع عن الدّين، والحريَّة، والكرامة، ولا مهادنة والقدس مغتصبة، والأمة مضامة، والحقّ منهوب، والإسلام مقهور.
إنَّه نداءٌ لكلِّ جماهير الأمَّة، وأجيالها، بألاّ يستريح لها بالٌ، ولا يغمض لها جفنٌ، ما لم تستردّ السيادة، وتعز المقدسات، وتكون الأرض، وثروتها، لأهلها الشرعيين، ويستقلَّ القرار، ويتحرر عن الهيمنة الأجنبية المتغطرسة، وإرادة المستكبر.
إحياءُ يومِ القدسِ العالميّ الإحياء اللائق بالقضية، والبناء في الحركة على خطه، وفي ضوء هدفه طوال العام من قِبَل علماء الأمَّة، ومثقفيها، وجماهيرها، للاستعداد والتأهّب للزحف الشّامل، والنفير العام، والمواجهة المصيرية لتحرير فلسطين، والقدس، والأقصى، ولعزّة وكرامة الأمّة.
يوم القدس لهذا، وللردّ على دعاة الاستسلام، والانسحاب، والتراجع، وإعلان الهزيمة.
أمَّا صفقة القرن، وورشة السَّلام من أجل الازدهار -هذا العنوان الزور المضلِّل- فمن أجل الالتفاف على وعي الأمة، وخداعها، ولتفريغ نفسيتها من الحماس للقضية للحق، والنقمة للكرامة، والثورة على الضيم، ومكابرة العدوان، والإصرار على إنزال الهزيمة بالمعتدي.
الصفقة والورشة لتسترخي الأمَّة، وتستكين، وتعطي القبول لعقد العبودية، وإملاءات الأعداء، والتبعية النهائية للسياسة المعادية، والاعتراف بموقع الصغار والهوان، الشيء الذي يأباه لأمتنا دينُها الحق، وقرآنُها العظيم، ورسولُها الكريم، والمثل الأعلى في الغيرة والعزة، والإباء، والشموخ على مستوى كلِّ أهل الأرض.
صفقةُ بيعٍ دنيءٍ، حقيرٍ، غبيٍّ، انتحاريٍّ، خاسرٍ، ربما كان الثمن فيه لقمة عيشٍ خسيسٍ، أمَّا المثمن فالإنسان بكل مقدَّراته، ومقدساته، وعزته، وحريّته، ويابسته، ومائه، وما في باطن الأرض، وما على ظهرها كله.
صفقةٌ قِوامها ألاّ يبقى شبرٌ من أرض الأمَّة، ولا واحد من أبنائها وبناتها إلاّ ويكون أداةً في المشروع الاستثماري لصالح أمريكا وإسرائيل، وأداةً لقهر الإسلام والمسلمين، والعروبة وأبنائها.
الموقفُ صعبٌ محرجٌ من الصفقة والورشة، ومن يوم القدس وقضيته المقدَّسة يا حكومات الأمَّة:
الموقفُ مع يوم القدس: يعكِّر خاطر أمريكا وإسرائيل بل يستثيرهما.
والموقف ضد يوم القدس: يفسد العلاقة مع الإسلام ويمثل ضربة له.
فكيف سيكون موقفكِ أمام الله والأمة؟
وأيًّا ستعبدين؟ الله أو أمريكا وإسرائيل؟
ومَن ستحترمين من أهل الأرض؟ الشعوب المسلمة التي تحكمينها وتستغلينها أو عدوّ الأمة من أمريكا وإسرائيل؟
وماذا عن غازاتكِ السَّامة، وخراطيم الماء المحرق، والرصاص المطاطي، والرصاص الحي، والشوزن؟ هل سيوّجه يوم القدس لصدور أبناء الأمة وأعناقهم، أو ترين في ذلك منكراً عظيماً، وقبحاً فظيعاً، وعارًا فاضحاً، أن تقفي في خندقٍ واحدٍ مع أمريكا وإسرائيل ضدّ الدين والأمة، بل تقومين بدور القاتل الحاقد بالنيابة عنهما تبرعاً، وامتثالاً من امتثال العبيد للأسياد؟
موقفٌ آثمٌ، فضّاحٌ، هتّاكٌ، مخزٍ، مهين، ولكنه مرتقب.
والسَّلامُ على مَن اتبع الهدى.
عيسى أحمد قاسم
٢٤ رمضان ١٤٤٠هـ
٣٠ مايو ٢٠١٩م