بقلم العلامة / محمد بن سقاف الكاف
عضو الهيئة العليا للإفتاء اليمني
إننا عندما نتحدث عن اليمن والبحرين فإننا لا نتحدث عن دول رسمتها مخططات واتفاقيات الاستعمار الغربي الحديث ولكننا نتحدث عن تأريخ وتراث ضارب بجذوره في أعماق الوجود الإنْسَاني، نتحدث عن شكل جغرافي له منحوتته الطبيعية والجيولوجية الخَاصَّـة.
إن هذين الإقليمين الموجودين في جزيرة العرب ما كان فيهما من خصوصية عربية بأرضه وإنْسَانه وموروثه الممتد عبر حقب التأريخ البشري المختلفة.
إن ما يحدونا للخوض في هذه المشتركات بين اليمن والبحرين لعدة صور مشتركة ومتحدة سنستعرض بعضها من خلال هذه السطور بشكل موجز قد لا تتسع لاستقصائه كبار المجلدات ومختلف العلوم الإنْسَانية والطبيعية المتشعبة.
فقبل الخوض في المشتركات بين اليمن والبحرين يلزمنا معرفة ما هي اليمن وما هي البحرين وأين تقع كُلٌّ منهما في هذه المعمورة.
اليمن: هي الجهة الواقعة جنوب شبه جزيرة العرب ويحدها من الشمال هضبة نجد وسراة الحجاز ومن الجنوب بحر العرب وخليج عدن ومن الشرق خليج عمان ومن الغرب البحر الأحمر.
وتسكنها القبائل القحطانية العربية
ومن بلادها التهائم وهي السهول الساحلية وعدن وصنعاء وأبين وحضرموت ومأرب وصعده ونجران وعسير وظفار
البحرين: هو الإقليم الواقع في شرق جزيرة العرب ويتصل بالدهناء وتحده هضبة نجد من الغرب ومن الشرق الخليج (بحر فارس) ومن شماله العراق وجنوبه خليج عمان ولهم تخوم مع اليمن عبر صحراء صيهد (الربع الخالي)
وتسكنه قبائل عبد القيس من ربيعة بن نزار العدنانية.
ومن بلادها هجر (الاحساء) والقطيف (الخط) وتاروت ودارين والجارودية والجبيل (جبيل البحرين) والظهران (ظهران البحرين) (باعتبار أن هناك ظهران اليمن وجبيل حضرموت والآجام وجزيرة أوال (دولة البحرين) وقطر.
بلاد الحضارات:
إن ما يعرف بالعموم ويشاع عن بلاد العرب أنهم أهل بداوة وجلافة إلا أن فيهما حضارات نشأت في حقب التأريخ القديم والسحيق واستمرت حواضرها العلمية أَوْ المعرفية الحضارية قائمة حتى بزوغ شمس الإسْلَام على بلاد العرب.
فكانت في البحرين امتداد حضارات بلاد الرافدين واعتبرت أن ينابيع تلك الارض وعيونها مياه مقدسة لدى دول حضارة الرافدين وكانت همزة الوصل بين حضارة الرافدين والهند والفراعنة وتسمى بحضارة (دلمون) ولهم اشتهار في الصناعات كالرماح والحراب والدروع فاشتهر الرمح الخطي (نسبة للخط) والدرع الحطمي (نسبة للحطمة بن محارب الجارودي) وكان مهر الزهراء عليها السلام درع حطمية باعها علي بن أبي طالب عليهما السلام بخمسمائة درهم ولهم من الزروع التمور والحبوب وخَاصَّـة الأرز ومدرسة خَاصَّـة في الفلاحة لخصوصية أرضهم الجامعة لملوحة الارض وعذوبة المياه.
وكانت اليمن مهد الجنس العربي فبزغت منها حضارات معين وحضرموت وسبأ وحمير وكانت على ارتباط سلمي مع الجوار وحضارات الأقاليم المجاورة وكان لهم السبق في الكتابة وتلقي علوم الديانات السماوية (اليهودية والنصرانية) ولهم صناعة السيف اليماني والخنجر الحضرمي والمنسوجات كالبرود والأثواب وبكسائهم دثر أهل الكساء الوارد فيهم التطهير (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) ولهم من الزروع الأعناب والحبوب والفاكهة والبن والقطن والسدر وَبها نباتات اعتمدت عليها الحضارات وبعض الأديان سواء في التبخير أَوْ التطبب أَوْ التحنيط كالمر واللبان والصبر والنيلة والحرمل ونبات الراء.
التواصُلُ الحضاري بين اليمن والبحرين:
إن تواصل هذين الشعبين ببغضهما البعض ذو منشأ جغرافي وعرقي فالبحرين هي وسيط الحضارات العربية حيث كانت تصل الهند باليمن وأرض الرافدين وفيما بعد إمبراطورية فارس الكسروية باليمن من حيث ممرات التبادل التجاري.
وبقي المشترك إلى العصر الحديث في التبادل التجاري الملاحي والبري وحتى أماكن الرعي ومرابض الخيل والإبل فامتدت قبائل العجمان وهم من يام همدان بحثاً عن الماء والكلأ حتى شط العرب وسواحل الخليج وقد خلد لنا التأريخ ذكر فارس العجمان وشيخها وشاعرها راكان بن فلاح بن حثلين العجمي اليامي الهمداني (المتوفى 1310هـ) الذي تمكنت ولايته القبلية على صحراء الدهناء والصمان وسواحل الخليج.
وفي ولاية اليمانيين على البحرين متعاقبة وأشهرهم العلاء بن الحضرمي وأبي هريرة الدوسي وهم من طبقة الصحابة
كما أنهما خضعا للحكم الكسروي قبل الإسْلَام حتى كان مكاتبة الرسول صلى الله عليه وآله لولاة الفرس في اليمن والبحرين
أ- الفارسي الأصل واليمني المنبت (يسميهم اليمنيون الأبناء) الأمير باذان بن ساسان ومن بعده ابنه شهر بن باذان وكان مقره صنعاء ثم تابعهم الرسول صلى الله عليه واله بالبعوث حتى بعث إليهم أمير المؤمنين وابن عم سيد المرسلين علي بن أبي طالب عليه السلام.
ب- ملك البحرين وسيد عبد القيس المنذر بن ساوى العبدي وكان مقره جواثا من هجر وقدم مع قومه ملبياً الدعوة النبوية بكامل الإيْمَان والاتضاع مع قومه وعشيرته فنزلوا من على دوابهم رمياً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مقبلين يده وقدميه.
النور النبوي والولاء العلوي:
عندما بزغ نور الإسْلَام وتوطدت أوتاد الرسالة المحمدية في ربوع جزيرة العرب نجد أن هذين الشعبين حازا على شرف عظيم لم تحزه غيرهم من شعوب أقاليم بلاد الجزيرة العربية فتشرفوا بالسلام النبوي (السلام على همدان) وَ(السلام على عبد القيس) لما كان لهم من حقيقة الإخلاص والتسليم لهذه الدعوة النبوية فلم يسلوا سيفاً في وجه الإسْلَام ولم يصدر منهم تكذيب لسيد الخلق صلى الله عليه واله وسلم.
وقال صلى الله عليه واله: (أنا حجيج من ظلم عبدالقيس) وقال صلى الله عليه وآله وسلم (خير أهل المشرق عبدالقيس) كما قال صلى الله عليه واله: (أتاكم أهل اليمن أرق قلوباً وألين أفئدة الإيْمَان يمان والحكمة يمانية)
فكانوا رديفاً حقيقياً للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فبذلوا أنفسهم وأموالهم طواعية خدمة لحبيب الله محمد صلى الله عليه وآله ومواقفهم في السبق والبذل طويلة وعظيمة.
كما أن أهل البحرين واليمن لهم حضور خاص ومميز في الوقائع النبوية المتأخرة وتجلت في حجة الوداع وواقعة غدير خم عقب الحج فسمعوا ورأوا المشهد الأعظم للولاية (من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيثما دار، ألا أني مخلف فيكم الثفلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولقد أنبأني العليم الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).
إن هذا البلاغ النبوي والبيان الرسالي الذي وعته أذان وقلوب هذين الشعبين ووقر في صدورهم واستجابوا له كواقع حياة وتطبيق معاش افتقد هذا الفضل أمم عديدة حتى يومنا هذا بينما ترسخ وتمكن من أهل اليمن وأهل البحرين تمكناً لم تزعزعه العواصف ولم تغيره متقلبات الأزمان وتعاقب حكام الجور وطواغيت السلطة فكانوا نعم الأولياء لعلي عليه السلام وخيرة الخيرة من جنوده وأتباعه وعانوا ويعانون في سبيل ذلك حتى اليوم.
وتتابع أبناء اليمن والبحرين على الولاء الصادق والحب العميق للحسنين عليهما السلام فسطروا في كربلاء بطولات الفداء والخلود الحقيقي الذي بقي نقشا في سفر التأريخ عبر الدهور فكانت اليمانية لها القدح المعلى وقصب السبق في تلك الواقعة الإيْمَانية الخالدة يليهم إخوانهم البحارنة فهاهو زهير بن القين البجلي الهمداني وعابس بن شبيب الشاكري وبرير بن خضير الهمداني وحنظلة بن الأشعث الشبامي ويزيد بن الحصين الشرفي الهمداني وغيرهم رضوان الله عليهم ممن يربوا عددهم على الأربعين شهيدا من اليمانيون ونجد من البحرانيون يزيد بن ثبيت العبدي وعامر بن مسلم التغلبي وعبدالله بن يزيد بن ثبيت الجارودي العبدي وغيرهم رضي الله عنهم.
ولا ننسى شيخ مذحج اليماني الأصيل والمجاهد الصبور الصادق هانئ بن عروة المرادي والذي سحلت جثته من قبل جلاوزة بني أمية في شوارع الكوفة مع سفير الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل.
وبقي مد ولاء هذه البلاد وأهلها فتلقوا علوم آل محمد من معينها الصافي ونميرها العذب وكانت مدارس وهجر علمية في البحرين واليمن للدرس والتعليم والتصنيف خرجت العديد من أهل العلم والكثير من المصنفات العلمية التي تعد من مفاخر الإسْلَام وعلوم شريعته. ومن أعلامهم كابي الجارود زياد بن منقذ العبدي فتتلمذ على الباقر وأخيه زيد والصادق عليهم السلام وهو من تلامذة الإمام زيد بن علي عليهما السلام وتنسب له طائفة من الزيدية ناهيك بالهمدانيين ممن يعجز المقال عن سردهم وحصرهم.
وفيهم حواضر العلم في اليمن كزبيد وصعدة وتريم وهجر العلم المختلفة في أقطار ومخاليف اليمن ومثيلاتها في البحرين القطيف التي كانت تلقب بالنجف الأصغر وجد حفص والأحساء ودمستان والماحوز وسترة وغيرها وخرجت العديد من العلماء ذوي الباع الطويل في البحث والدرس في الحواضر العلمية الكبرى والحوزات العلمية بالعراق وبلاد الفرس
ونجد من التعريج على الشعراء وأشهر شعراء المعلقات امرؤ القيس الكندي وهو يماني وطرفة بن العبد من بني عبد القيس وهو بحراني قطيفي وحلقات الشعراء موصولة حتى العصر الحديث في بلاد اليمن والبحرين.
وناهيك بكبار العلماء في شتى المعارف الإنْسَانية والتجريبية والشرعية (العقلية والنقلية) لا يسع المجال لسردهم أَوْ حتى المرور عليهم لتشعب العصور والفنون والمناطق.
ضريبةُ الولاية في العصر الحديث:
وها نحن قد أبحرنا في قطرات يسيرة من تواريخ اليمن والبحرين وبعض أعلامهما والذي يحتاج لأسفار طوال لتقيده وجمعه.
نجد أنفسنا أمام حقبة تأريخية عصيبة وهي بظهور النابتة الدخيلة في الإسْلَام والظلام المدلهم في أمة الإسْلَام بصنائع أعداء الإسْلَام بزعامة محمد بن عبدالوهاب النجدي فتبنى على التكفير للمسلمين والتصوير لرب العالمين وتحقير سيد المرسلين وأهل بيته الطاهرين.
فقامت دول آل الثلاث المتعاقبة على هذه المنهجية فأعملوا السيف في رقاب المسلمين بدعوى الكفر والشرك والابتداع وفتحوا أبواقهم وأشادوا منابرهم وجندوا قواهم لنشر معتقداتهم البالية من تكفير المسلمين وتصوير وتشبيه رب العالمين والاستنقاص من النبي صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة فبثوا أنواعاً من سمومهم وأنفقوا في ذلك الأموال وأشادوا المعاهد والجامعات بهدف تفريق الأُمَّـة وإقامة هذه الأبنية الشريرة التي تتلطخ بالدماء وتشاب بأنواع الجهل والحقد.
وممن تجرع شرور تلك الشرذمة للوهلة الأولى هو الجوار النجدي؛ لأن نجد منبت قرن الشيطان كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (بارك الله في شامنا ويمننا قالوا: ونجدنا يا رسول الله قال: (هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان) (البخاري ومسلم والترمذي والنسائي) وتعتبر هي وسط الجزيرة العربية وقلبها ومنها خرجت شياطين الوهابية ونبتت قرونها فيكون المتضرر الأول منها والمتلقح بشررها ومتعفر بغبارها هو الجوار والمحيط فكانت البحرين والحجاز ثم اليمن والعراق من أوائل من تضرر وأصيب وابتلي بهذا الداء العضال والوباء الفتاك فتعرضوا للمذابح والمجازر والغزو والفتك والسلب والنهب الوهابي على العزل والحجاج والأبرياء.
فكان الغزو إما بالهجوم المسلح الوحشي أَوْ نفخ السموم والأمراض الوهابية في أوصال تلك البلاد لا تفتر عن الفتك بها بكل الصور والأشكال حتى وقع وما نراه اليوم ونعيشه في هذا الوقت بالحرب الغاشمة والعدوان الجائر على اليمن وكأنها حرب تطهير عرقي استخدم فيها بني سعود وأحزابها كُلّ الأسلحة والعتاد العسكري فلم يرحموا شيخاً أَوْ طفلاً أَوْ امرأة أَوْ بهيمة مع ضرب الحصار الظالم على كُلّ المنافذ البرية والبحرية والجوية دون وازع أَوْ رادع من خلق أَوْ دين أَوْ حتى مروءة أَوْ جوار عربي.
وما بلاد البحرين الكبرى من اليمن ببعيد من تلك الأفعال فتعرضوا لأساليب وحشية من القتل والتدمير والإهلاك مع ضعف في المواجهة والدفاع كونهم من العزل المستضعفين سواءٌ أكانوا تحت الضم السعودي أَوْ الحلف الخليفي وعلوجهم ومرتزقتهم.
ونحن كشعب يماني وبحراني في هذا التوقيت الحرج والهام نواجه هذه القوة المفرطة وقد دعا قائد الثورة اليمنية السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي وَالرئيس اليمني الأستاذ صالح الصماد للتعاون بين الثورتين المظلومتين (اليمن والبحرين) وهذا لواقع التوأمة ووحدة المصير والولاء والانتماء والاستضعاف للتخلص من ذلك الغشم والظلم المسعود الأمريكي المتصهين أن نتكاتف ونعرف حقيقة عدونا وقوة حضاراتنا وأصالة منابتنا أمام أعراب نجد وزبانية أعداء الإسْلَام فالنصر حليفنا ووعد الله يحدونا بقوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴿٥٥﴾ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴿٥٦﴾ (المائدة) وبقوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴿٥﴾ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴿٦﴾) (القصص) صدق الله العلي العظيم.