يمثّل الثالث والعشرون من ديسمبر/ كانون الأوّل محطّة فارقة في التاريخ السياسيّ البحرينيّ؛ ذلك اليوم الذي شهد محاكمات قاسية وجائرة لقادة «هيئة الاتحاد الوطنيّ»، المجموعة التي جعلت الدفاع عن حقوق الشعب البحرينيّ هدفها.
تأسّست الهيئة في أكتوبر/ تشرين الأوّل 1954 كأوّل تنظيم سياسيّ في البحرين والخليج العربيّ، متصدّية للظروف السياسيّة والاجتماعيّة الصعبة، مدافعة عن تطلّعات الشعب نحو العدالة ومقاومة سياسات الاستبداد والتفرقة التي هيمنت في تلك الحقبة.
القمع يتجسّد في محاكمات غابت عنها العدالة
لم تكن المحاكمات التي استهدفت قادة الهيئة سوى انعكاس جليّ للاضطهاد الذي مارسه النظام الخليفيّ بحقّ الأصوات الحرّة. القادة البارزون «عبد الرحمن الباكر، وعبد العزيز الشملان، وعبد علي عليوات، وثلاثة آخرون» اعتُقلوا ووجّهت لهم اتهامات خطرة، اتسمت بالمبالغة وعدم المصداقيّة، مثل مزاعم التخطيط لمحاولة قتل الحاكم والتعاون مع قوى خارجيّة لتغيير الجهاز العسكريّ.
افتقرت المحاكمات إلى أبسط قواعد العدالة، إذ تشكّلت هيئة القضاة من أفراد ينتمون إلى العائلة الحاكمة، في غياب تامّ لحقوق الدفاع. فتلك المحاكمات لم تكن سوى تظاهرة استبداديّة أُريد بها إسكات هؤلاء القادة وتكميم أصواتهم. لم يُعطَ المعتقلون الحقّ في الاستعانة بالمحامين، فيما كان الحكم معدًّا مسبقًا ليكون حاسمًا وغير قابل للنقاش.
من السجن إلى التحرير: الضغوط الدوليّة تُغيّر المسار
على الرغم من المحاكمة الظالمة، أثارت القضيّة استنكارًا واسعًا على المستويين المحليّ والدوليّ. الضغط العالمي والمواقف الرافضة أسهمت في إعادة النظر في الأحكام الصادرة بحقّ بعض القادة. نُقل ثلاثة زعماء إلى السجن في جزيرة سانت هيلانة البريطانيّة، حيث صدر لاحقًا حكم بالإفراج عنهم وصرف تعويضات ماليّة لهم في العام 1960.
أمّا القادة الذين نقلوا إلى جزيرة جدّة داخل البحرين، فقد قضوا مدّة السجن كاملة من دون تخفيف أو تعويض. المحاكمة والأحكام المتفاوتة شكّلت صورة واضحة عن منهجيّة القمع التي لا يتوانى النظام عن ممارستها لإسكات المعارضة السياسيّة.
هيئة الاتحاد الوطنيّ: درس تاريخيّ في النضال
على الرغم من المحاولات القاسية لإخماد صوت الهيئة، أبرزت مواقفها قوّة النضال وكفاحها المتواصل لانتزاع الحقوق. محنتها لم تكن مجرّد صفحة من تاريخ البحرين، بل أصبحت نموذجًا للمقاومة السياسيّة في العالم العربيّ، معلنة أنّ إرادة الشعوب تظلّ أقوى من أيّ محاولة للتكميم.
محاولات النظام القمعيّة لإسكات هيئة الاتحاد الوطني لم تفلح في تغييب تأثيرها؛ بل أغنت مسيرة النضال وجعلت الشعب البحرينيّ أكثر عزيمة وتمسّكًا بمطالبه. المواقف الصامدة لقادة الهيئة هي رسالة خالدة تلهم الأجيال بأنّ الكفاح المستند إلى الإيمان بالحقوق لا يمكن أن يُهزم.
الثالث والعشرون من ديسمبر: إرث حيّ وسط بحر النضال
يمثّل هذا التاريخ أكثر من مجرّد ذكرى أليمة؛ إنّه يوم للتعلّم والإلهام. رغم الظلم الذي أحاط بالمحاكمات، ظلّ هذا اليوم شاهدًا على قوّة المقاومة وصمود الشعب البحريني أمام السلطات المستبدّة؛ هذا اليوم يحكي أنّ النضال من أجل الحريّة والكرامة ليس طريقًا سهلًا، لكنّه يبقى ضرورة لا تُغلبها أيّ قوة قمعيّة.
على الرغم من المحاولات لإخفاء الحقيقة أو تشويه مسيرة الهيئة، يظلّ التاريخ شاهدًا على كفاحها ومواقفها التي تُثبت أنّ قيمة الحريّة أغلى من أيّ ثمن. الثالث والعشرون من ديسمبر يظلّ درسًا دائمًا للأجيال، يقول إنّ إرادة الشعوب قادرة على تجاوز المحن، وإنّ طريق العدالة يبدأ بالثبات على المبادئ.


















