هيئة الاتحاد الوطنيّ: شعلة النضال التي لم يُفلِح الاستبداد الخليفيّ في إطفائها
تتألّق «هيئة الاتحاد الوطنيّ»، في قلب تاريخ البحرين النابض بالحريّة، كشعلة ثوريّة أضاءت دروب النضال ضدّ الظلم والاستعمار.
تأسّست هذه الهيئة في 13 أكتوبر/ تشرين الأوّل 1954 كأوّل تنظيم سياسيّ في الخليج، لتكون صوت الشعب البحرينيّ الذي رفض الخنوع للاستبداد الخليفيّ والهيمنة البريطانيّة.
لكنّ الكيان الخليفيّ، بدعم من أسياده الاستعماريّين، أجهز على هذا الحلم في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 1956، بحلّ الهيئة وقمع قادتها في محاولة يائسة لإسكات إرادة شعب.
يستعيد هذا المقال سيرة الهيئة، ويُلقي الضوء على الجريمة التي ارتكبها النظام بحقّ رمز الوحدة الوطنيّة.
تأسيس الهيئة: ثورة ضدّ الظلم والطائفيّة
ولدت هيئة الاتحاد الوطنيّ من رحم معاناة شعب البحرين، في زمن عصفت به التوترات الطائفيّة وتفاقم الظلم الاجتماعيّ. أحداث «فتنة محرّم» عام 1953 التي أشعلتها سياسات الفرقة والتسلّط كانت الشرارة التي جمعت الوطنيّين من السنّة والشيعة في مؤتمر شعبيّ حاشد بمأتم «ابن خميس» في السنابس. انتخب 120 من خيرة أبناء البحرين لتشكيل الهيئة، بقيادة ثوريّة ضمّت أسماء لامعة كـ: «عبد الرحمن الباكر، عبد العزيز الشملان، عبد علي العليوات،
وإبراهيم فخرو». هؤلاء لم يكونوا مجرّد قادة، بل كانوا رموزًا للصمود والحكمة، حملوا راية الحريّة ورفضوا الخضوع للكيان الخليفيّ الذي امتهن كرامة الشعب.
كانت الهيئة ثورة فكريّة وسياسيّة، تسعى لإسقاط الفساد والهيمنة الاستعماريّة، رفع أعضاؤها شعارات المطالبة بمجلس تشريعيّ منتخب، قانون مدنيّ وعقابي، تنظيم المحاكم، وإنشاء نقابات عمّاليّة تحمي حقوق العمّال في مواجهة استغلال شركات النفط الأجنبية.
خلال 18 شهرًا فقط، أنجزت الهيئة ما عجزت عنه أنظمة عقود، حيث وضعت مسودتي قانون العمل والتعويضات، وأسّست «اتحاد العمل البحرانيّ» الذي ضمّ 13 ألف عامل، ليكون صوتًا مدويًّا للعدالة.
الكيان الخليفيّ وقمع الحلم الوطنيّ
أزعج هذا الحلم الثوريّ الكيان الخليفيّ وداعميه البريطانيّين. الهيئة التي وحّدت الشعب وأيقظت وعيه شكّلت تهديدًا وجوديًًا لنظام قائم على الاستبداد والتفرقة. في مارس 1956 تفجّرت الاضطرابات الشعبيّة، حيث واجهت الجماهير القمع الوحشيّ لشرطة النظام الذي استغلّ هذه الأحداث ذريعة لتصفية الهيئة. بدعم من المستشار البريطانيّ «تشارلز بيلغريف» وتحت إشرافه اتُهم قادة الهيئة بتهم باطلة تزعم أنّهم يخطّطون لمؤامرات ضدّ الحكّام ويؤلّبون الرأي العام.
هذه التهم، التي ثبت زيفها لاحقًا، كانت مجرّد ستار لإخماد صوت الحريّة. في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 1956 أصدر الكيان الخليفي قرارًا بحلّ الهيئة، معلنًا الحرب على إرادة الشعب، ولم يكتفِ بذلك، بل اعتقل قادة الهيئة، وفي 23 ديسمبر/ كانون الأوّل أجرى محاكمة صوريّة في مركز شرطة البديع، أسفرت عن نفي «عبد الرحمن الباكر، عبد العزيز الشملان، وعبد علي العليوات» إلى جزيرة سانت هيلانة، وسجن البقيّة في جدّة. هكذا، حاول النظام طمس إرث الهيئة، لكنّه فشل في إطفاء جذوتها في قلوب البحرينيّين.
دور الهيئة: إيقاظ شعب وتحدّي الاستبداد
كانت هيئة الاتحاد الوطنيّ أكثر من مجرّد تنظيم سياسيّ؛ كانت ثورة فكريّة واجتماعيّة هزّت أركان الاستبداد، لقد نظّمت الهيئة مهرجانات توعويّة وأصدرت بيانات سياسيّة، وسلّطت الضوء على قضايا العمّال والفلّاحين، لتكون صوت المهمّشين في وجه نظام جائر؛ فأثبتت أنّ الوحدة الوطنيّة بين السنّة والشيعة ليست مجرّد حلم، بل واقع يمكن تحقيقه عندما يجتمع الشعب تحت راية العدالة. واجهت الهيئة تحدّيات جسيمة، من قمع السلطات إلى محاولات شقّ الصفّ الوطنيّ، وغيرها، لكنّها ظلت صامدة حتى آخر لحظة. قادتها، بإيمانهم الراسخ، جسّدوا معنى التضحية، حيث تحمّلوا السجن والنفي دفاعًا عن مبادئهم. هذا الصمود جعل الهيئة رمزًا للثورة ضدّ الظلم، ومنارة أضاءت طريق الأجيال اللاحقة.
إرث الهيئة: شعلة لا تنطفئ
في الذكرى السبعين لحلّ هيئة الاتحاد الوطنيّ، يتجدّد العهد على مواصلة النضال الذي بدأته. لقد أثبتت الهيئة أنّ الشعب البحرينيّ قادر على تحدّي الاستبداد وكسر قيود الطائفيّة. إرثها حيّ في كلّ صوت يطالب بالحريّة، وفي كلّ قلب ينبض بحلم العدالة. حلّ الهيئة لم يكن نهاية النضال، بل كان بداية لثورات لاحقة، حيث حمل شباب البحرين رايتها في الستينيّات والسبعينيّات، ولا يزالون يحملونها اليوم.
رسالة إلى المستقبل: الثورة مستمرّة
إنّ ذكرى هيئة الاتحاد الوطنيّ ليست صفحة عابرة من التاريخ، بل هي دعوة إلى النهوض من جديد. لنستلهم من قادتها الشجاعة والوحدة، ولنرفض الخنوع لكيان خليفيّ يمتهن كرامتنا، إنّ الطريق إلى العدالة والمساواة طويل، لكنّه ليس مستحيلًا، فلنجدّد العهد على العمل الجماعيّ، ولنحيِ روح الهيئة في كلّ خطوة نحو وطن حرّ، يسوده السلام والوئام. الثورة مستمرّة، والنصر للشعب البحرينيّ الذي لا يلين!








![مونتاج ملخّص الموقف الأسبوعي [96]](https://14f2011.com/feb/../nfiles/2025/11/IMG_20251108_030252_070-150x150.jpg)











