شارك سماحة الفقيه القائد آية الله الشيخ عيسى قاسم، يوم الثلاثاء 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، في فعاليّة التعبئة الطلابيّة التابعة لجامعة شريف في طهران «إنّا على العهد»، التي أقيمت بمناسبة «يوم مقارعة الاستكبار».
وحضر هذه الفعاليّة «اللواء محمد رضا نقدي» وعدد من الشخصيّات السياسيّة والطلابيّة، وكان لسماحة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم رسالة خطيّة.
وحملت رسالة آية الله قاسم عنوان: الاستكبار الأمريكيّ والموقف العالميّ، وهذا نصّها:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بوركتم، بوركت جهودكم. كان الله في عونكم. سدَّد الله خطاكم، وزادكم الله قوّةً ورغبةً في الجهاد في سبيل الله.
القوّة عند الإنسان منشأ للغرور والاستكبار، تتجاوز به حدود واقعه الفعلي، ودائرة الإمكان، وقد توهمه بعظمةٍ لا ينالها أحد من الناس، ولا تصلُ إليها المطامح حتى يأتي منه ما ذكره الكتاب المجيد عن فرعون من قوله لقومه “أنا ربكم الأعلى”، ويطالب الآخرين بحقِّ الربوبية، ويفرض عليهم واجبات ليس لأحدٍ أن يوجبها على غيره إلاّ الربُّالحقّ المتعال مصدر الخير كلّه، والذي لا دافع للشرّ إلاّ هو.
وهذا الاستكبار من أكبر أنواع المرض، وأخطر ضروب الجنون مغرقٌ لصاحبه ولمن تطاله يده وسيطرته في المآسي والآلام والذل والهوان والسوء. والعالم اليوم يعاني من هذا الاستكبار الفاحش المُنطلِق بشروره وناره الحارقة إلى مساحة العالم كلّه من أمريكا على يد السياسة التي يقودها ترامب وحزبه وأنصاره وعملاؤه.
يقول تبارك وتعالى في كتابه المجيد: “إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى”. تنشأ عند الإنسان نظرة خاطئة بأنه قد استغنى عن الله سبحانه بما أعطاه من قوة، امتحاناً له فيطغى ويستكبر ويستبدّ به الشعور الكاذب بالغنى المطلق، والقوة التي لا حدود لها، ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
الشعور بالغنى عن الله جهلٌ وغرور وطغيانٌ في نفسه، وهو كذلك منطلقٌ لمزيد من الغطرسة والطغيان، وأشدُّ الفساد في الأرض.
والموقف العالمي من الاستكبار مرةً يُنظر إليه على مستوى التصرّف في دائرة الواقع الخارجي الأعمّ من الصحيح والخطأ، ومرةً ينظر إليه على مستوى ما يجب عقلاً، وعقلائياً، وديناً، وأخلاقياً، وعدلاً، وحسبما تمليه مصلحة البقاء في الحياة، وحفظ القيم، والكرامةُ الإنسانية والعزّة، وصِدق الأخوّة بين الإنسان والإنسان.
على المستوى الأول فالموقف متنوّعٌ حسبما عليه اختلاف الناس من دقِّة الرؤية وسطحيتها، وبُعد النظر وقصره، وإباء النفس وخنوعها، ومضاء الإرادة وخمولها، والإقدام والإحجام، وما سوى ذلك من صفات الذات.
وتأتي المواقف المتعلِّقة بمواجهة العدوان الاستكباريّ على مستوى حكومات العالم وأنظمته وشعوبه وأحزابه ومختلف مكوّناته بين الموالاة، وهي جريمة في حق النفس والغير، ومشاركةٌ فعليّةٌ في العدوان. موقفٌ آخر هو البراءة القلبية من دون ردٍّ فعليٍّ مجانس، وليس لها ذلك الأثر الإيجابي. وموقف آخر هو السكوت والتغافل عن الخطر، ويعبّر عن رؤيةٍ قصيرة أو هو هروبٌ عن الواقع طلباً للراحة ذات العاقبة السيئة. ويأتي موقف دون ذلك، مواقف التفرّج على ما يجري من كوارث وفجائع للآخرين من إخوة الدين والإيمان، والإخوة في الإنسانية، والقومية، والجوار والنسب تعلّقاً بأمل النجاة.
وكلّ هذه الأنواع من المواقف وأمثالها، مواقفُ ساقطةٌ دونية تعني خيانةً أو فراراً من الواجب وتخلِّياً عن المسؤولية.
ولا يبقى موقفٌ صالح يوافق عليه العقل، ويدعو إليه الدّين، وتنادي به العزّة والكرامة، وتقضي به الأخوّة الإيمانية والإنسانية، والغيرة والرجولة، والمصلحة المشتركة، والأمن العالمي، وتدفع إليه الفطرة؛ إلاّ موقف المبادرة والتبكير باجتماع الكلمة المنتصرة للحقّ والسلام والعدل في الأرضمن كلّ القوى القادرة على الفعل، والأخذ بمختلف الأساليب العقلائية المؤثرة من أجل إيقاف المدّ السياسي والعسكري العدواني المُنطلِق من أمريكا والصهيونية لإحداث زلزالٍعالمي يُدمِّر الإنتاج الصالح والميراث الحضاري البناء في نواحي الأرض.
أما المقارعة القتالية مع الزحف الاستكباريّ المُنفلت والمحطّم لكلّ أساس صحيح من أسس الدين، والقيم الإنسانية الخالدة التي لا تقوم حياة ولا تستقيم نفس إنسان، ولا يلئم مجتمع بشري في غيابها حفاظاً على مصلحة العالم كلّه، فهي آخر الدواء تجنّباً للخسائر العظمى المشتركة، ورعاية الحرمات.
وأمّا السؤال عن موقف الإسلام من مجاهدة الاستكبار في كلّ دوائره وساحاته، وفي أيّ زمن، فلا حاجة للتفتيش عن الإجابة عليه، فهو واجبٌ لابديٌّ وفريضة إلهيةٌ حتمية. تشهد بذلك آيات القرآن الكريم الصريحة المتعلّقة بالجهاد والدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى التضحية والشهادة في سبيل الله، وسيرة الجهاد الفعليّ في حياة الرسول “صلّى الله عليه وآله”، وسيرة المعصومين من بعده، وأصحابه الذين صدقوا الإيمان، والصالحين من فقهاء الأمة وعلمائها في طول الأجيال حتى يومنا الحاضر، والأمثلة الشاخصة على هذا لا تخفى.
فلتعمّ التربية على الشهادة وعشقها والسخاء الواسع ببذل المال والدّم في سبيل الله والانتصار لدينه وأوليائه، وإنقاذ المستضعفين، وتكونُ هذه التربية جادّةً وقويةً ومدروسةً لتكون مؤثرة.
وليُخلَّد ذكر الشهداء ويُعلّى من مقامهم كما هو حقّهم في الدين، ففي ذلك دفع وتنشيط لحركة الجهاد والشهادة إعزازاً للحقّ، وحصانة للأمة، ورحمةً بالناس كلّ الناس.
وتعالوا نقرأ بعض الآيات الكريمة وشيئاً من الحديث الشريف لنكون أهل بصيرةٍ في الأمر واندفاعةٍ جادة في الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، تقول الآية 169 من سورة آل عمران: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، الآية 12 من سورة التوبة: (وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ).
والاندفاعة الجنونية للقضاء على كلمة الدين وقتل القيم وإسالة الدماء -دماء الناس- أنهارا، وتقطيع المجتمع تقطيعاً يقضي على الأخوّة الإنسانية، كلُّ ذلك يعني ما قالته الآية الكريمة أنّهم أئمة كفر. هؤلاء الجناة الذين يحاربون الله ورسوله ويعادون كلّ عباده الصالحين ويفسدون في الأرض، ويلاحقون كلمة الدين في الأرض للقضاء عليها، حقاً حقاً هم أئمة كفر يدخلون في الآية الكريمة.
الآية 24 من سورة التوبة: (قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُ كُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُ مۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰ كِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِ لَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَ هۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ) .
كم هو الحبُّ حبُّ المؤمن لله ورسوله، حين يأتي حبٌّ لأيٍّ ممن ذكرتهم الآية الكريمة من الآباء والأبناء أكثر من الحبّ لله وحبّ رسوله، حين يأتي هذا الشيء ومعه حبٌّ لهذه الأشياء أكثر من حبّ للجهاد، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره.
فالعلاقة بين المؤمن وبين الجهاد ينبغي أن ترقى عن مستوى التكليف والإحساس بالتعب في أدائه إلى درجة الحب والعشق.
لكنه من الجنون والغباء والخسارة الكبرى وسقوط المستوى العقلي وضلال الإرادة أن يكون شيء من هذا كلّه أحبّ إليكم من الله ورسوله ومن الجهاد في سبيله، وإن فعلتم فتربصوا، انتظروا حتى يأتي الله بأمره فترون العقوبة وترون الذلة والهوان والعذاب الأليم، والله لا يهدي القوم الفاسقين.
الآية 41 من سورة التوبة: (ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗ ا وَجَٰهِدُواْبِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَ يۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡتَعۡلَ مُونَ)
ظروف سامحة، ظروف صعبة ثقيلة، كنتم في هذا الظرف أو ذاك الظرف، انفروا خفافاً أو ثقالاً وجهادوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله.
سنعلم تمام العلم بصدق هذه الآية الكريمة يوم يقوم الحساب.
وهنا القلوب المؤمنة الشفافة بإيمانها الصافية من كلّ شوب، تعلم أنّ ما عند الله هو أن الجهاد في سبيل الله خيرٌ من كلّ ما نعشقه من هذه الدنيا ونعتزّ به.
الحديث الشريف عنه “صلّى الله عليه وآله”: ما أعْمالُ العِبادِ كُلِّهِم عِند المُجاهِدينَ في سبيلِ اللّه ِ إلاّ كَمِثْلِ خُطّافٍ أخَذَ بمِنْقارِهِ مِن ماءِ البَحرِ.
كم سيأخذ الخطاف بمنقاره من ماء البحر؟ كم؟ هذا الشيء الضئيل القليل الذي لا يُلتفت إليه، أعمال العباد كلّهم -الأعمال الصالحة- عند المجاهد كمثل هذا الخطاف فيما أخذه بمنقاره من ماء البحر، فكم هي عظمة ثواب الجهاد، وكم هي منزلته عند الله عزَّ وجلّ، وكم هو ربح المجاهد في سبيل الله.
عنه “صلَّى الله وآله وسلّم”: لا يجتمع غبارٌ في سبيل الله ودخانٌ في جنهم.
أهون من هذا وأهون وأهون، لا يجتمع غبارٌ إذا حصل واجتمع على بدن المجاهد أو ثيابه فليأمن من دخان جهنم.
وعن الإمام الباقر “عليه السلام”، أتى رجل رسول الله “صلّى الله عليه وآله” فقال: يا رسول الله إنّي راغبٌ في الجهاد نشيط، فقال له: فجاهد في سبيل الله فإنّك إن تقتل تكن حياً عند الله ترزق، وإن تمت فقد وقع أجرك على الله، وإن رجعت خرجت من الذنوب إلى الله.
هذا أقلّ جزاء، ومع السلامة أنّه يرجع بلا ذنب.
غَفَرَ الله لي ولكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.







![مونتاج/ ملخّص الموقف الأسبوعي [٩٤]](https://14f2011.com/feb/../nfiles/2025/10/سجناء-البحرين-2-150x150.jpg)
![مونتاج ملخّص الموقف الأسبوعي [96]](https://14f2011.com/feb/../nfiles/2025/11/IMG_20251108_030252_070-150x150.jpg)







![مونتاج ملخّص الموقف الأسبوعي [97]](https://14f2011.com/feb/../nfiles/2025/11/موقف-السبوعي-97-150x150.png)

