يبرز الشهداء، في مسيرة الشعوب الباحثة عن العدل والكرامة، كرموز خالدة تجسّد أبهى صور التضحية والفداء.
هم من يجسّدون بصمتٍ نداء الثورة في وجه الظلم، ويبثّون الأمل في النفوس الثائرة رغم الظروف الحالكة. إنّ دماءهم الطاهرة هي شرارة الاستمرار، وهي الصوت الذي لا يُخرس، والصورة التي تعيد للأذهان حجم المعاناة والمظلوميّة التي فرضت النضال.
الشهيد ليس مجرّد فرد غادر عالمنا، بل هو روح تحمل قضيّة أمّة بأسرها، يرسم مع كلّ قطرة دمٍ خارطة الحريّة، ويؤكّد أنّ الأوطان تستحقّ التضحية.
الشهيد «علي خليل عيسى الصباغ»، ابن بلدة بني جمرة، كان شابًا في السابعة عشرة من عمره عندما اختارت السماء أن تتزيّن بروحه يوم 22 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2013. نشأ علي بين أزقّة تقاوم الظلم والاضطهاد من جهة، ومرابع الحلم بالحريّة من جهة أخرى. منذ نعومة أظفاره، عُرف بمواقفه الشجاعة، وكان صوت الحقّ يعبّر عن قلبه الطاهر الذي لم يخشَ سوى الله، وعلى الرغم من حداثة سنّه، كان يحمل من الوعي ما يكفي ليجعل منه ثائرًا في كلّ موقف.
استشهاده وإن شكّل صدمة موجعة لعائلته وأبناء بلدته، ليس فقط لفقدانهم شابًا صغيرًا، بل لأنّ علي رحل وهو يجسّد أصدق معاني النضال، ويؤكّد أنّ المقاومة لا تعرف عمرًا محددًا، لم يكن نهاية لقصّة شاب طموح فقط، بل كان مدخلًا جديدًا للأمّة لتحفر على جدار الزمن أنّ الثورة تستمر طالما هنالك من يؤمن بها ويدافع عنها.
دماء الشهداء مثل علي هي التي تعيد تشكيل وعي الشعب، وتلهمهم القوّة لتحدّي الظلم مهما بلغت درجته، استشهاد علي جعل الشعب أكثر تقبّلًا للتضحية، وأكثر إيمانًا بأنّ الوطن لا يُستعاد إلّا بمواقف تضرب جذورها في التضحية والشجاعة والإقدام. لقد أثبتت حياة علي واستشهاده أنّ الأمل لا يموت، والثورة لا تنهزم ما دام هنالك أحرار يدفعون أرواحهم ثمنًا للحريّة، علي لم يكن مجرّد شهيد، بل كان انعكاسًا حيًّا لما يمكن للشباب أن يقدّموا للوطن بإرادة لا تعرف معنى الهزيمة.
الثوار وإن غادروا العالم، فإنّهم يخلّدون في ذاكرته، يحفرون على صفحات التاريخ أسماءً من نور،
ويقدّمون الدروس للأجيال القادمة: أنّ الحريّة لها ثمن، وأنّ النضال لا يتوقّف.
المجد لكلّ شهيد، والخلود لـ«علي الصباغ» الذي سيبقى شعاعًا يضيء طريق الثورة للأحرار.