قالت رابطة الصحافة البحرينيّة، في تقرير لها يوم الإثنين 29 سبتمبر/ أيلول 2025، إنّ الصحافة في البحرين كانت في لحظات مفصليّة من تاريخها (2001- 2011) نافذة للتعبير عن التعدّديّة الفكريّة والسياسيّة، ووسيطًا بين المجتمع والدولة؛ إذ مثّلت منابر للنقاش العام ومكانًا لصياغة رأي عام وطنيّ حول قضايا الإصلاح السياسيّ، التعليم، الاقتصاد ومختلف جوانب حياة البحرينيّين.
ولفتت إلى أنّ ثورة العام 2011 شكّلت منعطفًا سلبيًّا وفرضت تغييرات سلبيّة في البنية السياسيّة والقانونيّة، وانتكاسة للحريّات السياسيّة ومنها الحريّات الصحافيّة في البلاد، ليتحوّل دور الصحافة تدريجيًّا من مراقِبة المشهد ومُحاسِبة السلطة إلى مجرّد قنوات ناقلة للبيانات الحكوميّة، يتمحور جوهر وجودها في وظيفة دعائيّة أكثر من كونها وسائل إعلام مستقلّة.
واستعرضت الرابطة في تحليل نقديّ محتوى لبعضٍ من أبرز الصحف البحرينيّة خلال مسحٍ لأخبارها المحليّة ليوم 24 سبتمبر/ أيلول 2025، حيث رأت أنّ الغالبيّة العظمى من الأخبار الرسميّة الحكوميّة والبرلمانيّة تتعلّق عناوينها بأنشطة رسميّة (اجتماعات وزاريّة، تصريحات برلمانيّة، زيارات وفود، أو تدشين مشاريع)، وفيما يتعلّق بالاقتصاد والأعمال فإنّ المواد الاقتصاديّة المعروضة في الصحف لا تحمل طابعًا تحليليًّا أو نقديًّا، بل تُكتب غالبًا كإعلانات مؤسسيّة، أمّا الأمن والقضاء فالأخبار متكرّرة في صورة بيانات مختصرة مثل: ضبط قضايا إلكترونيّة، إحالة أفراد إلى المحاكم، أو بيانات النيابة العامة، وهي تنقل فقط الرواية الرسميّة للجهات الأمنيّة، من دون تفكيك أو مساءلة أو تضمين روايات بديلة أو حتى متابعات معمقة لهذه الأخبار.
وحول الخدمات العامّة والصحّة والتعليم فإنّ تغطيتها تأخذ شكل «إعلان نجاحات حكوميّة» أكثر من كونها تقارير ميدانيّة تعكس تجارب المواطنين أو نقد مستوى الخدمة.
وأكّدت رابطة الصحافة البحرينيّة في تقريرها غياب الصوت النقديّ، فلا يوجد أيّ خبر أو مقال في الصفحات المحلّية يحوي مساءلة مباشرة لسياسات الدولة أو طرح أسئلة صريحة حول جدوى القرارات الحكوميّة، كما تغيب التقارير الميدانيّة التي تبحث في هموم المواطنين أو تنقل أصوات معارضة، حتى مقالات الرأي، التي يمكن أن توفّر مساحة أوسع للتعبير، لم تستطع أن تخلق حالة أو واجهة حقيقية للجدل والتعدديّة، وهذا الغياب، وفق الرابطة، ليس صدفة، بل هو انعكاس لبنية سياسيّة وقانونيّة وتنظيميّة جعلت من الصحافة في البحرين رهينة إرادات رأس المال المرتبط بالدولة ومؤسّساتها ورجالاتها وقوانين الإعلام والجرائم الإلكترونيّة، التي تجرّم انتقاد السلطات وتضيّق الخناق على أيّ خطاب مغاير. وبهذا، تتلاشى الوظيفة الأساسيّة للصحافة كمجال للجدال العام، لتحلّ محلّها وظيفة تسويقيّة لقرارات الحكومة، وتتحوّل من أداة رقابة ومساءلة إلى مؤسّسات تابعة للدولة كنتاج متدرج لسياسات متراكمة منذ مطلع الألفيّة؛ بدءًا من القوانين المقيّدة مثل قانون المطبوعات والنشر إلى قانون الجرائم الإلكترونيّة التي خلقت بيئة رقابيّة صارمة، مرورًا بتأثيرات ملكيّة الصحف التي ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بمصالح الدولة أو مقرّبين من السلطة التنفيذيّة، وصولًا إلى الرقابة الذاتيّة حيث يمارس الصحفيّون رقابة مسبقة خوفًا من غضب المسؤولين في الدولة والملاحقات القانونيّة أو خسارة الوظائف، ما يجعل اللغة الرسميّة تتغلغل حتى في تفاصيل التغطية الإخباريّة التي تحوّلت لمزايدات على البيانات الحكوميّة في التفخيم والتضخيم