عندما نسرد قصّة الشهيد «ناصر الرسّ»، نتحدّث عن مزيج نادر من العطاء الإنسانيّ وتحدّي الصعاب الذي لا يعرف الكلل.
مسيرة حياة الرسّ، الحقوقيّ والأكاديميّ الكويتيّ الأصل، خلّفت وراءها أثرًا لا يمحى، يتجاوز حدود الزمان والمكان، إلى ديار القلوب التي عرفته وحتى القلوب التي لم تلقه.
معاناة ناصر بدأت عندما وجد نفسه خلف قضبان الاعتقال وواجه التعذيب بكلّ قسوة، حيث الأخشاب والأنابيب البلاستيكيّة كانت أدوات لإلحاق الألم في غرف خلفيّة في مطار البحرين؛ مرحلة قاتمة تعكس الظلم البشريّ بأبشع صوره، لكنّ روح ناصر لم تخضع لهذه الآلام بل بقيت صامدة، تسعى للنور في آخر النفق.
لم يكن التعذيب هو نهاية المطاف، بل كانت ثمّة بداية أخرى لمرحلة صعبة؛ فقد اضطرّ إلى مغادرة البحرين متوجهًا إلى كندا في العام 2012، بحثًا عن الشفاء من آثار التعذيب الجسديّة والنفسيّة، إضافة إلى معاناته من مرض القلب. رحلة لم تكن للراحة، بل ترجمة حقيقيّة للأمل بحياة تسمح له بالتنفّس بعيدًا عن ضغوط الماضي.
ربما كان الكثيرون غيره ليفكروا في التخلّي عن القضيّة بعد كلّ هذه المعاناة، لكن لم يكن ذلك خيار ناصر، بل واصل تحدّيه بالدفاع عن قضيّة البحرين، مستخدمًا قلمه وصوته ليجسّد نضال شعب عانى طوالًا. لم يكن فقط صوتًا يدافع عن البحرين بل كان جسرًا للتواصل والتعاطف بين شعوب المنطقة، شاهدًا على أنّ الروح الإنسانيّة تتجاوز الحدود والجغرافيا.
استشهد «ناصر الرسّ» في العام 2016، تاركًا وراءه إرثًا من النضال والتضحية، لم يرحل مخلّفًا القضيّة وراءه، بل زرع في قلوب الكثيرين بذور الأمل والشجاعة لمواصلة الكفاح، البحرينيّون احتفوا بناصر كشهيد وبطل شعبيّ، تكريمًا لروح قاتلت بلا كلل ولا ملل من أجل الحريّة والعدالة.
ختامًا، ذكرى «ناصر الرسّ» ما هي إلّا تذكير بقيمة الإصرار والتحدّي في وجه الظلم، قصّته تعلّمنا أنّ الإنسان يمكن أن يُهزم جسديًّا لكن إرادته تبقى خالدة، تنتصر على القيود والأسوار، الرسّ ليس فقط رمزًا للبحرين، بل هو نبراس لكلّ من يؤمن بالحقّ والعدالة حول العالم.