في الظلال الطويلة لمعاناة بلد يبحث عن العدالة والحريّة، تكمن قصّة «الشهيد جعفر حسن يوسف»، الشاب الذي عانق الموت لا لشيء إلّا لأنّه مثّل صوتًا في مواجهة ظلم وبطش لا يرحم. في الذكرى الأليمة لرحيله، لا يمكننا إلّا أن نستحضر تفاصيل هذه الفاجعة بقلوبٍ ثائرة وعقولٍ تأبى النسيان.
جعفر يوسف، الذي لم يتجاوز عمره 29 عامًا من أبناء دمستان، غرب العاصمة البحرينية المنامة، لكنّ هذا الشاب وجد نفسه فجأة في مواجهة مباشرة مع رعب لا مثيل له. في شهر مارس/ آذار من العام 2011، حيث تعرّض لعمليّتين وحشيّتين من الضرب والاعتداء، ضمن مسلسل من العنف والترهيب مارسه النظام، من خلال المليشيات المدنيّة وقوّات المرتزقة التابعة له.
المرة الأولى: اقتحام المنزل
أولى هذه الاعتداءات كانت في منزل العائلة ببلدة دمستان. تلك الواقعة كانت انتهاكًا صارخًا لكلّ الحرمات؛ حيث لم تُراعِ المليشيات المدنيّة أبسط قواعد الإنسانيّة أو الاحترام. جعفر الذي بحث من دون جدوى عن الأمان بين جدران منزله، وجد نفسه مستهدفًا في جحيم لا يُحتمل.
المرة الثانية: في مأوى شقيقه
تكرّر المشهد بوحشيّة أكبر في شقته التي يقطنها في بلدة بوري، حيث كان الاعتداء هذه المرّة أكثر فتكًا وأشدّ قسوة، كلّ ذلك في محاولة لإيجاد شقيقه، النتائج كانت مروّعة: التهاب حادّ في الكبد ومضاعفات أخرى، ما زجّ بجعفر في متاهة من الألم والعذاب لم يكن لينجو منها.
غيبوبة ومعاناة
بعد تلك الاعتداءات، دخل جعفر في غيبوبة دامت أكثر من خمسة شهور، كانت تلك الأيام تعبيرًا عن معاناة جسديّة ونفسيّة غير مسبوقة، حيث كافح جسده المنهك ضدّ الإصابات البالغة والمرض الشديد، ولكن قواه خانته في النهاية، واستسلم للموت، تاركًا وراءه عالمًا لم ينصفه.
الذكرى الثائرة والمعنى الأعمق
اليوم، وفي كلّ يوم، تُروى قصّة جعفر كشهادة صادقة على وحشيّة نظام يفترس أبناء الوطن، وكدليل لا يُردّ على أنّ الكلفة الحقيقيّة للحريّة والكفاح ضدّ الظلم قد تكون باهظة، لكنّها ضروريّة.
نحن، كأمّة تسعى للعدل والسلام، علينا أن نتذكّر جعفر ليس فقط كضحيّة، بل كرمز للثورة والمقاومة. يجب أن تستمرّ الدعوة إلى العدالة من خلال إحياء ذكراه وتأكيد أنّ معاناته لم تذهب هدرًا، ولن تذهب.
في كلّ قطرة دم سالت من جعفر، وفي كلّ دمعة ألم عمّا عاناه، تتواصل تلك الدعوة لنا جميعًا بأنّ نظلّ صامدين ومثابرين في وجه الظلم، مستلهمين من شجاعته الدافع لنجدّد تعاهدنا على ألّا يمرّ الظلم من دون ملاحقة، وأن نبقى أوفياء لروح الحريّة التي دافع عنها حتى آخر رمق.