يحتفل العالم، في الخامس عشر من سبتمبر/ أيلول من كلّ عام، باليوم الدولي للديمقراطيّة، وهو مناسبة لتكريس قيم العدالة والحرية والمساواة التي تشكّل حجر الأساس لأيّ نظام سياسيّ يحترم إنسانيّة شعوبه.
الديمقراطيّة ليست مجرّد كلمة تُردّد في أروقة السياسات الدوليّة، بل هي حقّ إنسانيّ أصيل، يعكس الإرادة الشعبيّة ويُكرّس نظامًا قائمًا على المشاركة، الشفافية، واحترام الحقوق الأساسيّة.
في هذا اليوم، يقف العالم أمام مرايا الديمقراطيّة ليبحث في حالة هذا الحقّ، لكنّ البحرين تجسّد نموذجًا صارخًا لحالة التجاوز والانتهاك المستمرّ لهذه المبادئ، حيث يتبدّد الحلم الديمقراطيّ في ظلّ نظام سياسيّ استبداديّ يقمع الشعب من دون هوادة.
واقع الديمقراطيّة المأزوم في البحرين
نظام آل خليفة في البحرين يمثّل نقيضًا كاملًا للمبادئ التي يحتفي بها في هذا اليوم العالميّ؛ فمنذ عقود، يعيش الشعب البحرينيّ في ظلّ حكمه القائم على الاستعلاء السياسي والسلطة المطلقة، مصادرةً لكلّ فرصة للتعبير الحرّ أو حقّ تقرير المصير، هذا الكيان الحاكم بقوّة النار والحديد يرى أنّ الديمقراطيّة الحقيقيّة تهديد لوجوده، حيث يُبعد الشعب قسرًا عن أيّ مشاركة فعليّة في إدارة شؤون الدولة، مستخدمًا أدوات قمعيّة بارعة في لغة الإقصاء والتنكيل.
حُرم البحرينيّون حقّهم الأساسيّ في تقرير المصير واختيار من يمثّلهم عبر صناديق الاقتراع، وحوصرت أيّ محاولات لإعادة تشكيل النظام السياسيّ بما يُحقّق العدالة والمساواة. التظاهرات السلميّة، المطالبات الشرعيّة، وحتى المناشدات الدوليّة، قوبلت جميعها بالقمع الممنهج، ما يجعل نظام آل خليفة نموذجًا واضحًا لكلّ ما يناقض الديمقراطيّة.
القمع: أداة النظام لكبت الأصوات الحرّة
السياسات القمعيّة التي ينتهجها النظام الخليفيّ تجاوزت كلّ الحدود الممكنة؛ من تضييق الخناق على المعارضين السياسيّين، إلى وضع القيود المشدّدة على حريّة التعبير والتجمع، إلى تحويل السجون لمواقع لتعذيب الناشطين والحقوقيّين والمواطنين الأبرياء. هذه السياسات لا تتوقف عند الحبس الجسدي فقط، بل تمتدّ إلى استهداف الفكر، وقتل الطموح، ومصادرة الأمل بتغيير ممكن.
إنّ أيّ صوت ينادي بإصلاحات ديمقراطيّة يُقابل بعقوبات قاسية، سواء عبر مقدّمات سياسيّة أو بأدوات أمنيّة تُمعن في سحق الروح البحرينية التي تطمح لأبسط حقوقها.
الالتزامات الدوليّة المزعومة: خطوط فارغة
البحرين، كعضو في هيئة الأمم المتحدة وملتزمة نظريًّا باتفاقيّات حقوق الإنسان، لا تحترم هذه الالتزامات على أرض الواقع، فاتفاقيّات مهمّة مثل العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسيّة تُنتهك بشكل وقح، ويُلتفّ عليها بسياسات تعسّفية تُسخّر كلّ أدوات السلطة لإحباط كلّ الطموحات الشعبيّة. من المفترض أن تكون هذه الالتزامات ضمانة لحماية المواطنين، لكنّها تحوّلت إلى نصوص شكليّة غير قابلة للتنفيذ في ظلّ سلطة سياسيّة تُعلي من مصالحها على حساب شعبها.
مسؤوليّة المجتمع الدوليّ
لا يمكن الحديث عن الديمقراطيّة في البحرين من دون الإشارة إلى الإهمال الدوليّ لصوت الشعب البحرينيّ ومعاناته. على الرغم من أنّ المجتمع الدوليّ يحتفي بهذا اليوم، ويصدر تقارير عن واقع الديمقراطيّة، فإنّ مواقف الدول الكبرى حيال البحرين تبقى متردّدة وغير فعّالة، فالأصوات الشعبيّة المطالبة بحقّ تقرير المصير تحتاج إلى دعم دوليّ حقيقيّ، يتجاوز البيانات الشكليّة إلى ضغط سياسيّ ودبلوماسيّ جاد يُضيّق على هذا النظام المستبدّ ويجبره على التوقّف عن انتهاكاته المروّعة.
حلم الشعب البحرينيّ
رغم كلّ ما ذُكر، يرفض الشعب البحرينيّ أن تنطفئ جذوة الديمقراطيّة في روحه. على مرّ السنوات، أثبتت البحرين أنّ شعبها قادر على الحلم والتطلّع. هذا الشعب الذي خاض نضالًا طويلًا من أجل الحريّة لا يزال يطمح إلى نظام عادل يُكرّس حقوقه السياسيّة وينهي عقودًا من الاستبداد. الطريق إلى الديمقراطيّة في البحرين طويل وشاقّ، لكنّه ليس مستحيلًا، فالإرادة الشعبيّة لن تُهزم، وستظلّ ثابتة حتى تُحقّق أهدافها النبيلة.
دعوة إلى العمل
اليوم الدوليّ للديمقراطيّة يجب أن يُحوّل إلى نقطة انطلاق جديدة لشعب البحرين وللمجتمع الدوليّ انطلاقة لتحمّل مسؤوليّته الأخلاقيّة والسياسيّة. من الضروريّ الوقوف بجانب الشعب البحريني في نضاله، والعمل على إقامة نظام سياسيّ يضع دستورًا يخطّه الشعب بيده، ويُعلي قيم الحريّة والعدالة والمساواة. الديمقراطيّة ليست رفاهية، بل هي حقّ أصيل، يجب أن يكون متاحًا لكلّ إنسان، بما في ذلك الشعب البحرينيّ.