في أعماق التاريخ المليء بالأحداث المؤلمة والعظيمة التي تُخلّد في ذاكرة الشعوب، يقف اسم الطفل الشهيد «علي جواد الشيخ» في صدارة الأسماء التي أصبحت رمزًا للحريّة والثورة في البحرين.
فتى في عمر الزهور، ذنبه الوحيد أنّه كان يحمل قلبًا نابضًا بالحبّ لبلاده وإيمانًا بقضيّة شعبه؛ استشهاده في عيد الأضحى المبارك لم يكن مجرّد رحيل مأساوي، بل كان شرارة أضاءت درب النضال وأيقونة للأحرار الذين يرفضون الاستبداد والقمع.
في يوم أفراح.. العيد صار ذكرى ألم
في صباح عيد الأضحى المبارك، كانت سترة، تلك المدينة الصغيرة التي لطالما ضجّت بصوت الثائرين، مسرحًا لجريمة وحشيّة قلّ أن تجد لها نظيرًا؛ بينما كان علي ذو الخمسة عشر عامًا في محيط اشتباكات شهدتها المدينة عقب صلاة العيد، أتت قنبلة مسيّلة للدموع لتصيبه مباشرة في وجهه، وكأنّها نُفذت بشكل مقصود لتُنهي حياة ذلك الطفل الصغير. الجريمة هذه لم تكن مجرّد حادثة قمع، بل كانت انعكاسًا مرعبًا لواقع الاستبداد الذي يعصف بشعب البحرين تحت حكم آل خليفة.
علي الشيخ.. أيقونة الاستشهاد والمقاومة
تحوّل استشهاد علي إلى رمزٍ خالدٍ في وجدان أبناء شعب البحرين الثائر. لم تكن دماؤه التي أُزهقت عنوانًا للحزن فقط، بل كانت بداية عهد جديد في النضال، من اللحظة التي نُقل فيها جثمانه إلى مركز سترة الصحي، ووسط الحصار الذي فرضته قوّات المرتزقة حول المركز، أدرك الجميع أنّ عليًّا لم يمت فقط كطفل ضحيّة للنظام القمعي؛ بل أصبح طيفًا خالدًا يحلّق في سماء الحريّة والمقاومة. هذا الحصار لم يمنع الأهالي والشهود من التجمّع والتعبير عن رفضهم للظلم، بل زادهم إصرارًا على استكمال المسيرة.
دماء علي.. نبض الثورة
الدماء التي تلطّخت بها أرض البحرين بسبب القمع الممنهج لم تكن دماء طفل واحد، بل كانت شريانًا ينقل حرارة الثورة من جيل إلى آخر. دماء علي وأقرانه من الشهداء كُتبت على صفحات التاريخ كراية تُذكّر الجميع بأنّ الإرادة الشعبيّة لا تُقهر مهما تفاقمت المآسي. تساءل العالم في ذلك اليوم المشؤوم: كيف لنظام أن يحمل كلّ هذا الحقد ليقتل طفلًا كان يحلم بغدٍ أكثر إنصافًا لوطنه؟
رسائل من ذكراه.. إلى الأحرار في كلّ مكان
استشهاد «علي الشيخ» ليس مجرّد حدث محليّ مقيّد بقيود الجغرافيا، وإنّما يحمل رسالة إنسانيّة شاملة تتردّد في كلّ بقعة على هذه الأرض. قضيّته جعلتنا ندرك جميعًا أنّ الثورات تبدأ من القلوب الصادقة والإرادة الحرّة، وأنّ الأنظمة المستبدّة مهما بلغت قوّتها ستواجه حكمة التاريخ التي تؤكّد أنّ الطغيان لا يدوم. دماء علي أصبحت لغة عالميّة تُخاطب كلّ مظلوم، وتحثّه على الاستمرار في مواجهة القهر مهما كانت الظروف.
القوّة القمعيّة تنهار أمام إرادة الشعب
حين نتحدّث عن استشهاد علي، نتذكّر أنّ الزمن الذي حاولت فيه الأنظمة إخضاع الشعوب بإرهابها انتهى؛ اليوم، يسطّر الشعب البحرانيّ صمودًا تاريخيًّا، مؤكّدًا أنّ المؤامرات التي تستهدف تكميم الأفواه لن تنجح. لقد حاولت القوّات القمعيّة أن تجعل من هذا الاستشهاد درسًا لترهيب الشعب، لكنّها ارتكبت خطأً قاتلًا علي لم يكن مجرّد ضحية، بل أصبح البطل الذي هزم الموت، ورسّخ في أذهان أبناء شعبه وجوب الاستمرار حتى النصر.
علي رسالة أمل للمستقبل
في الذكرى السنويّة لاستشهاد علي، نتأمّل معاني الثورة والحريّة ونستذكر أنّ كلّ قطرة دم نزفت في سبيل الكرامة هي بذرة تنمو لتنبت أملًا لا ينتهي. دماء «الشهيد علي الشيخ» تتكرّر في أحلام الصغار والكبار، في هتافات الجماهير التي تصرخ بوجه الطغيان، وفي أيدي الأحرار الذين يرفعون الرايات وينشرون كلمة الحقّ في وجه الباطل.
علي الشيخ.. شعلة تنير درب الأجيال
لا يمكن لذكرى الاستشهاد أن تكون مجرّد تاريخ يُطوى في صفحات النسيان، إنّها حكاية متجدّدة في قلوب الأحرار، وهي في صميمها دعوة لكلّ الشعوب إلى أن تُعيد صياغة مصيرها بأيديها، وألّا تخضع لقيدٍ يزرعه الطغاة. عيون العالم ربما ستنسى وجه هذا الطفل الصغير، ولكن شعب البحرين وجميع الأحرار سيخلّدونه أيقونة تذكّرهم دائمًا بأنّ الحريّة تُنتزع ولا تُهدى، وأنّ دماء المظلومين هي وقود لثورات لا تُخمد حتى يُعاد الحقّ إلى أصحابه.