تساءلت صحيفة الأيّام البحرينيّة في افتتاحيّة عددها الصادر يوم الإثنين 25 أغسطس/ آب الجاري، بوقاحة: «هل تملك بغداد قرارها؟»، في محاولة يائسة من الصحيفة الحكوميّة الصفراء للطعن بسيادة العراق، وتشويه احتضانه «معرض شهداء البحرين» في كربلاء المقدّسة.
لكنّ الحقيقة الجليّة التي لا يجهلها أحد هي أنّ العراق – مرجعيّة وحكومةً وشعبًا – هو اليوم أكثر استقلالًا وسيادة من أنظمة صغيرة تُدار من العواصم الأجنبيّة.
العراق دولة دستوريّة، برلمانها منتخب، ورئيسها وأعضاء حكومتها يأتون انتخابًا عبر صناديق الاقتراع، قرارها السياسيّ يصنعه العراقيّون بمحض إرادتهم على الرغم من الضغوط الأمريكيّة، وينبثق القرار من إرادتهم الوطنيّة التي قدّمت دماءً غزيرة لتحرير الأرض واستعادة السيادة، ومن هذا القرار المستقلّ جاء الموقف المشرّف في دعم شعب البحرين المظلوم وفتح أبواب كربلاء لإحياء قضيّته العادلة.
أمّا حكومة البحرين التي تحاول التنظير للآخرين فهي تعاني من غياب أبسط أشكال المشاركة السياسيّة، فالرأس الحاكم فيها مفروض بالوراثة، لا يعرف الشعب طريقًا لانتخابه أو محاسبته، والحكومة يعيّنها الحاكم الخليفيّ طبق أهوائه ورغباته، والبرلمان أداة شكليّة منزوع الصلاحيّات، والحقوق تُصادر، والحريات تُقمع، وسجناء الرأي يملؤون الزنازين فقط لأنّهم رفعوا شعار الحريّة أو طالبوا بإصلاح وتقرير المصير، ومئات المواطنين يرزحون في بلدان الشتات خارج البحرين على إثر كلمة قالوها أو موقف اتّخذوه مناوئًا للحكم القائم، فأيّ وجه مقارنة بين ديمقراطيّة العراق وتجذّر صوته الشعبيّ ووراثة الحكم في المنامة؟
الأكثر سخرية أنّ النظام في البحرين الذي يستنكر حريّة التعبير في العراق ويخشى على سيادة العراق، هو ذاته الذي فتح أبواب البلاد للكيان الصهيوني وأجهزته الأمنيّة، وارتضى التطبيع خضوعًا لأوامر واشنطن وتل أبيب، بينما يتّهم الآخرين بفقدان القرار! فالسؤال الكبير هنا: هل البحرين في ظلّ حكم آل خليفة تملك قرارها وسيادتها أصلًا أم أنّها خاضعة بالكامل لإملاءات الرياض وواشنطن وتل أبيب؟
ما جرى في كربلاء ليس «تدخّلًا في الشؤون الداخليّة» كما يدّعي إعلام الحكومة الخليفيّة، بل هو ممارسة طبيعيّة لحريّة الرأي والتعبير التي يكفلها الدستور العراقيّ، وهو رسالة أخلاقيّة من عراق الإمام الحسين «ع» بأنّ قضيّة البحرين العادلة لن تُمحى من الذاكرة، وأن يحتضن العراق أصوات المظلومين هو فخر له لا عار، وهو امتداد لتاريخه المقاوم والحرّ.
العراق اليوم يمتلك قراره أكثر من أيّ وقت مضى، بينما تعيش البحرين في قبضة التبعيّة والهيمنة الأجنبيّة، ومن يوجّه سهام الاتهام للآخرين عليه أوّلًا أن يراجع نفسه، ويجيب الشعب: متى يكون للبحرينيّين قرارهم الحرّ في انتخاب حكّامهم وصياغة مستقبلهم؟