يأتي اليوم الدوليّ لإحياء ذكرى ضحايا أعمال العنف الدينيّ، في زمن يحمل معه برودة الألم وحرارة التذكير، حاملًا معه الحكايات المغلّفة بالأسى والروايات المشحونة بالمعاناة، ومن بين تلك الصفحات المتناثرة، تبرز قصّة البحرين، البلاد التي طالما عُرفت بألق التسامح وثراء التعدّديّة، لكنّها أضحت منذ احتلال آل خليفة لها مسرحًا لاستبداد يعصف بأرواح الأبرياء ويقمع الأصوات الساعية للحريّة.
نظام آل خليفة في البحرين يرسم صورة قاتمة لحقبة تغلّبت فيها ظلمات القهر على نور الحقّ والعدالة. هذا النظام، الذي يرى الديمقراطيّة تهديدًا لهيمنته ويؤمن بأنّ السلطة أجدر بالخلود من التواصل مع شعبه، لم يتوان عن استخدام الدين كأداة للفرقة، وذلك بتمييزه ضدّ الأغلبيّة الشيعيّة في مسعى دنيء لزرع بذور الانقسام وتعزيز سطوته القمعيّة.
الألم يتجسّد في أشكال عدّة في البحرين، منها صرخات الأمهات الثكالى ودموع الأطفال اليتامى، والآباء الذين فقدوا أبنائهم في النزاعات، وأيدي الشباب المكبّلة بقيود الظلم والقمع، كلّهم ضحايا لنظام يصون التركيز على استمرار الحكم على حساب العدالة والحريّة. دماءُ الأبرياء التي سُفكت على أرض البحرين تشهد على قسوة استبداد تحوّل تحت ستار الحفاظ على الوئام إلى طاغية يغتذي من أمل شعبه ويسعى لإطفاء جذوة الحريّة في قلوبهم.
لقد أثبت التاريخ مرارًا أنّ الظلم لن يدوم، وأنّ إرادة الشعوب أقوى من جبروت الطغاة. نظام آل خليفة الذي يعتقد أنّ استخدام الدين كسيف قابل لقطع نسيج المجتمع وإخماد صوت المطالب بالعدالة يُغفِل عن أنّ الدين في حقيقته يدعو إلى السلام والتعايش، وأنّ الشعب البحرانيّ، وعلى غرار كلّ الشعوب التي طالها الظلم، سيجد في أعمق جروحه قوّة للمقاومة، وفي أثقل سلاسله دافعًا للتحرّر.
من المهم اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، أن نعيد تأكيد تضامننا الإنسانيّ مع كلّ ضحايا العنف الدينيّ، وأن نتذكّر بأنّ الصراع من أجل الحقّ والعدالة ليس له حدود جغرافيّة. قصّة البحرين جزء من نسيج أوسع للنضال الإنسانيّ ضدّ التعصّب والقهر. فدموع الأمّهات فيها تمطر سحابة الحزن نفسها التي تغطّي عيون أولئك الذين يفقدون أحبّاءهم في أرجاء العالم بسبب الكراهية والعنف الدينيّ.
لنجعل من هذا اليوم، ليس فقط يوم تذكير بالآلام التي خلّفتها يد القمع، بل أيضًا يوم تجديد الأمل في قلوب الذين يعيشون تحت ظلّ الاستبداد. لتكن ذكرى الضحايا في البحرين وحول العالم شعلة تضيء درب النضال من أجل عالم يسوده العدل والمساواة والحريّة للجميع، بغض النظر عن دينهم أو معتقدهم.