في خضم الظلام، تُولد أنوارٌ تُلهم العزائم وتشحذ الإرادة، وهكذا كانت حياة «حسام محمد الحداد»، الشاب البحرانيّ الذي لم يعرف أنّ مصيره سيجعل من اسمه رمزًا مشعًّا في طريق الحريّة.
استشهد حسام يوم الجمعة 17 أغسطس 2012، بعد أن اشتعلت نار الظلم لتسرق روحه ويصبح، بروحٍ نقيّة لم تعرف سوى الحب والالتزام، واحدًا من الشهداء الذين كُتب لدمائهم أن تسقي الأرض وتروي نبتة الثورة.
طفولة بريئة ونشأة نقيّة
وُلد حسام محمد الحداد في 27 يونيو/ حزيران 1996 في مدينة المحرّق بالبحرين، هذه المدينة التي عُرفت بتنوّعها الثقافي والجميل بأناسها، وأزقّتها التي شهدت خطوات حسام الأولى وهو يُلامس الحياة ببراءة وهدوء؛ تربى حسام وسط عائلة محبّة، تنبت القيم في قلبه كأنّه شجرة تُزهر كلّ يوم بثمار الوفاء والمبادئ. كانت الصلاة روتينه اليوميّ، وكان ارتباطه بأهل البيت «ع» دليلًا على التقوى والصفاء الذي أضاء حياته.
إذا بحثنا عنه في تفاصيل طفولته، وجدناه ذلك الفتى الذي عشق العلم والاجتهاد، والذي غمره النشاط والحيويّة في كلّ لحظة. كان صوته يرتفع بتلاوة القرآن، وسط أنشطة دينيّة تضفي على روحه الطمأنينة وتُزهر قلبه بنور الإيمان، وقد أكسبته تلك التربية الدينيّة قوّة داخليّة ونضجًا في وقت مبكر، جعلت منه مثالًا يُحتذى للشباب في زمن كثر فيه اللهو وضاع فيه الصدق.
طموح وإرادة رغم الصعاب
كان حسام يحلم بمستقبل مشرق. أراد أن يكون مهندسًا في مجال الطيران، وأن يعمل من أجل تحقيق أحلامه رغم كلّ الظروف المحيطة به. التحق بالمدرسة الإعداديّة ثمّ بالمعهد الصناعيّ حيث بدأ في شقّ طريقه العلميّ ليُحقق طموحه الذي لا يعرف حدودًا.
لكنّ حسام لم يكن فقط طالبًا ملتزمًا بقاعات الدراسة؛ بل كان يتفاعل مع المجتمع بثقافة ورؤية، اهتمامه بالشعر، وحرصه على المشاركة في الفعاليّات التعليمية خلال الإجازات الصيفيّة، كانا انعكاسًا لرغبته في استغلال كلّ لحظة من حياته بإبداع وقيمة.
مرساة الظلم: لحظة الاستشهاد
يوم الجمعة 17 أغسطس/ آب 2012، حدث ما لا يستوعبه العقل ولا تُطيقه الروح؛ قبل عيد الفطر بيومٍ واحدٍ فقط، وبينما البحرين تغرق في ألمها، وحسام يتأهّب لرؤية الفرحة تُبنى في عيون الناس، امتدّت أيادي القمع لتُسقطه في ذروة شبابه. تعرّض حسام للعنف المفرط على يد القوّات الخليفيّة، واستشهد وهو في سنّ السادسة عشرة.
لم تكن تلك اللحظة مجرّد خسارة شخصيّة لعائلته؛ بل كانت خسارة إنسانيّة ووطنيّة على مستوى أوسع، وبدلًا من فرحة العيد، استيقظ البحرينيّون على خبر أدمى قلوبهم وشكّل نقطة فاصلة تعيد التذكير بما يدفعه الوطن في طريقه نحو الكرامة والعدالة.
الرسالة الخالدة: إرث الشهيد حسام
كلّما مرّت ذكرى الشهيد حسام عاد السؤال ذاته: لماذا ارتُكب هذا الظلم بحقّ شابٍ بريء؟ لماذا يُفنى المبدعون وأصحاب الطموح في سبيل قمع صوتهم؟ حسام محمد الحداد لم يكن مجرد اسم، بل كان ذاكرة بأكملها، صوتًا لم يُسمح له أن ينضج ليصنع حياةً تُنير لنا الطريق.
لقد تحوّل حسام إلى رمزٍ للثورة، إلى صرخة تتردّد في أرجاء البحرين تطالب بالعدالة وتتحدّى الظلم. جثمانه الطاهر شُيّع في مظاهرات حاشدة، تعالت فيها الهتافات المطالبة بالقصاص وإقامة الدولة العادلة. كان موكبًا عظيمًا، خرج فيه البحرينيّون ليوجّهوا رسالة واضحة: «لن نصمت أمام الظلم، ولن ننسى شهداءنا الذين ارتقوا ليعيش الوطن».
الشهداء لا يموتون.. بل يُخلّدون
ذكرى استشهاد حسام ليست مجرد موقف يُذكر، بل هي نارٌ متقدة تحفّز كلّ بحرينيّ وكلّ إنسان حرّ على أن يرفض الظلم مهما كان شكله، وأن يُقاوم القمع مهما كان جبروته. إنّ القصّة التي رواها حسام بدمه الطاهر هي صرخة إنسان يتحدّى الطغيان ويزرع بذور الأمل في نفوس الأجيال القادمة.
من هذا المنطلق، علينا أن نسترجع في كلّ ذكرى لحسام وغيره من شهداء البحرين، رسالة المبدأ والإرادة. الشهيد الذي كان يومًا طالبًا، وحالمًا، وصانعًا للكلمة، تحوّل إلى مشعلٍ أبديّ يحمل أفكار الحريّة ويُضيء طريق العدالة.
«حسام محمد الحداد» هو الوجه الحقيقي للأصالة الإنسانيّة، هو الشاهد الذي يُخبرنا أنّ الإيمان بالقضيّة أقوى من أيّ سلاح، وأنّ الروح التي ارتقت لنصرة الحقّ لا تُهزم مهما طالت الليالي.
إلى روحه الطاهرة، وإلى كلّ روح نقيّة ارتقت تحت راية الإنسانيّة والعدالة، عهدنا: أن نواصل الطريق.