يقف شعب البحرين في الرابع عشر من أغسطس/ آب، شامخًا ليحتفل بذكرى استقلاله، مُجدّدًا عهدًا وثيقًا مع الحريّة والكرامة والتحرّر من ربقة الاستعمار. يُزهر هذا اليوم ذكريات مخضّبة بالنضال، حيث وقف الأجداد والآباء صفًا واحدًا ضدّ الاستعمار البريطانيّ، مسطّرين بلون الدم أجمل صفحات التاريخ، حتى نُحيي يوم استقلال البحرين الذي يمثّل تتويجًا لعقود من الكفاح الوطنيّ والتضحيات.
ومع ذلك، يمرُّ صدى هذا اليوم وسط ظروف وتحدّيات جسيمة تحاك ضدّ أركان السيادة الوطنيّة. فقد شهدت سنوات ما بعد الاستقلال تصرّفات وقرارات من جانب النظام الخليفيّ الغاصب للسلطة في البحرين أضرّت بجوهر السيادة الوطنيّة، بل أثّرت في جوهر الاحتفال بهذه الذكرى العطرة. لقد مارس النظام الخليفيّ ألاعيبه، سعيًا لتحوير معنى الاستقلال وطمس معالم النضال الوطنيّ، في محاولة لتثبيت أركان حكمه وإخفاء العلاقات التي لا تزال تربطه بمصالح استعماريّة جديدة وقديمة.
بيد أنّ الشعب البحرينيّ لم يغب عنه هذا الوعي، فقد ظلّت ذاكرته حيّة بالمعركة الطويلة التي خاضها لنيل حريّته واستقلاله في الرابع عشر من أغسطس/ آب عام 1971، الذي تجسّد كحلم يراود كلّ مواطن، مختصرًا عقودًا من الكفاح ضدّ الاستعمار والظلم، ومع ذلك، فإنّ السبيل إلى الاستقلال الحقيقيّ لم يخلُ من المحن والتحدّيات، حيث استمرّت السيطرة البريطانيّة غير المباشرة من خلال دعمها لنظام ثبت بمرور الوقت أنّه لا يخدم سوى مصالحه ومصالح من وراءه من قوى استكباريّة.
اختبار الشعب البحرينيّ للحريّة لم ينته عند تلك النقطة؛ ففي منتصف السبعينيّات، عاش الشعب أحلامًا ببرلمان نشط يعبّر عن إرادته، ليجد نفسه أمام موجة جديدة من الاستبداد عقب تعليق العمل بدستور 1973، والتي فتحت باب الأزمات السياسيّة على مصراعيه. ومع حلول عهد الطاغية حمد، غُدِرت آمال الشعب بخديعة ما سمي «الميثاق الوطنيّ»، ما جرّ البلاد إلى نفق مظلم من الاضطهاد السياسيّ والاجتماعيّ.
كان ردّ الفعل الطبيعيّ لهذا التاريخ المثقل بالتضحيات والآمال المجهضة اندلاع الثورة الشعبيّة في 14 فبراير/ شباط 2011، والتي جسّدت صرخة الشعب المتعطّش للحريّة، مطالبةً بالكرامة، والعدالة، والحقّ في تقرير المصير، وإنشاء دستور يكتب بأيادي أبناء البحرين أنفسهم. إنّ مطالب الثورة الشعبيّة تظلّ شاهدًا على الحاجة الملحّة إلى الاستقلال الحقيقيّ وبناء نظام سياسيّ يُحترم فيه صوت الشعب.
ذكرى الاستقلال اليوم أكثر من مجرّد تاريخ يُحتفل به؛ فهي تُعدّ فرصة لتجديد العهد بين الشعب ونضاله المستمرّ ضدّ كلّ أشكال الهيمنة والاستبداد. إنّها دعوة إلى التجديد في الكفاح نحو استقلال حقيقيّ يضمن للبحرين وشعبها مستقبلَ الحريّة السياسيّة والعدالة الاجتماعيّة. تبقى الحركات الشعبيّة في البحرين شاهدًا على عزم البحرينيّين على التحرّر من كلّ أشكال الاستبداد والتبعيّة، مجدّدين العهد على أن يبقى النضال مستمرًّا حتى تحقيق الحريّة الكاملة والعدالة للجميع.