عندما نتحدّث عن الشهداء، نتحدّث عن قصص لا تنتهي للشجاعة والتضحية والبطولة. وحين نستذكر الشهيد «حسين علي الأمير» يجب أن نفعل ذلك بروح ملؤها الإكبار والاعتزاز، لأنّ حياته واستشهاده شعلة لا تنطفئ ودرس للأجيال القادمة. لقد كان «حسين» بطلًا كفيفًا لكنّ رؤيته للحريّة والعدالة كانت أكثر وضوحًا من كثيرين ممن يعدّون أنفسهم بصيرين.حسين، الذي ولد وترعرع في أحضان منطقة تزخر بالتاريخ والثقافة، لم يكتف بأن يكون متلقّيًا لقيم العطاء والعزّة، بل كان مصدرًا لها. تشبّعت شخصيّته الثوريّة بقيم «البلاد القديم» وتجاربها في النضال والمقاومة، فصار بحقّ رمزًا للنضال الإنسانيّ ورفض الخضوع لقوى الظلم.لكنّ يد الظلم والوحشيّة كانت له بالمرصاد، ففي يومٍ مشؤوم استُشهد بعد أن تعرّض لتعذيب وحشيّ في مركز شرطة النعيم، ليغادر عالمنا جسدًا، وتبقى روحه ترفرف فوقنا علمًا ضدّ الظلم، ولربّما كان قدره أن يستشهد في الثالث عشر من أغسطس/ آب من العام 2011 ليكون لاستشهاده وقع لا ينسى، إذ لا يزال يكثّف معاني البطولة والكرامة الإنسانيّة.استشهاد حسين لم يأت من فراغ، بل جاء في خضم موجة من الاضطهاد والقمع، حيث تعرّض الناشطون والكوادر المجتمعيّة للملاحقات والاعتقالات العشوائيّة، بحجج وذرائع واهية، كانت روح هذا البطل حرّة، ولم يخشَ العتمة التي ألقت بظلالها على عينيه، لأنّه كان يرى بقلبه نور الحقيقة والعدل.التعذيب الذي تعرّض له حسين، وهو رجل كفيف، لم يقتصر على جسده، بل امتدّ ليكتوي المنطق كلّه، فما الذي يمكن أن يبرّر تعذيب إنسان أعزل، يسعى إلى بسط العدالة والحريّة لبلده وأهله؟ ما وقع عليه من تنكيل هو إدانة للإنسانيّة جمعاء، بل شهادة على انتهاكات حقوق الإنسان التي ما فتئت أن تجرح كلّ قلب حرّ.لكنّ حسين لم يخش الصعاب ولم يتراجع، بل احتضن إعاقته كوسام شرف يزيّن صدره، أصبح رمزًا لكلّ من يسعى إلى تجسيد أعلى معاني التحدّي والصبر. فالمرء يعثر في سيرته على أسباب تشدّ من عزمه وتقوّي من إيمانه بأن لا شيء يمكن أن يقف في طريق الإرادة البشريّة.باستشهاده، خلّد الشهيد «حسين علي الأمير» إرثًا ثوريًّا يمتدّ أبعد من حدود البلاد القديم، أضاء لنا قناديل في نفق طويل من النضال، وترك لنا دروسًا في الثبات والمقاومة. فحتى الآن، اسمه باقٍ رمزًا للكبرياء والنضال الإنسانيّ والتمسّك بالمبادئ الحقّة، وعهدًا على كلّ حرّ أن يواصل المسيرة، سائرًا على نهج الشهداء، حتى تشرق شمس العدالة والكرامة على أرضنا من جديد.في ذكرى استشهاده، لنرفع الأكفّ بالدعاء، ولنوقد الشموع إكبارًا للروح التي بذلت نفسها من أجل قيم تسمو فوق الحياة والموت. اليوم، وغدًا، وكلّ يوم، نجدّد العهد على أن يبقى الشهيد «حسين علي الأمير» حيًّا في ضمائرنا، متجذّرًا في قلوبنا، محفورًا في الذاكرة كرمز للأصالة الإنسانيّة والبطولة التي لا تعرف المستحيل.
ضوء في العتمة: الشهيد الكفيف «حسين علي الأمير» الذي أضاء درب الحريّة

حسین علي الأمير A3 scaled 1