يوم الجمعة 26 يوليو/ تموز 2019 كان آخر لقاء بين الشهيدين المجاهدين «علي العرب وأحمد الملالي» وأسرتيهما، قبل أن يُنفّذ النظام الخليفيّ حكم الإعدام الظالم بحقّهما فجر السبت 27 يوليو/ تموز.
الشهيدان القياديّان كانا أيقونتين في النضال والمواجهة والثبات، لم يخافا العدوّ ومضيا إلى الشهادة بكلّ عزّة وإباء، بعد أن خطّا وصيّتيهما اللتين ستظلّان نبراسًا للمجاهدين من بعدهما.
– وصيّة «الشهيد علي العرب»
كتبها قبل استشهاده بنحو عام ونصف، وكأنّه كان مدركًا لمصيره ومتيقّنًا من شهادته. بدأها بطلب السماح ممن عرفهم على أيّ خطأ بدر منه تجاههم أو تقصير معهم، لينتقل إلى التخفيف عنهم صعوبة فراقه، قائلًا: «قرأت قصصًا عن الشهداء أنّ [الشهيد] في وقت استشهاده لا يتألّم، بالأحرى لا تكون الروح في الجسد، ويرى كيفيّة استشهاده، وأنّ جروح الشهيد تكون له نورًا في الآخرة».
ليستذكر بعد ذلك رفيق الدرب الشهيد القائد «رضا الغسرة» الذي كان يوصي بالتقرّب إلى الله تعالى وأهل البيت «ع» ولا سيّما فاطمة الزهراء «ع»، لتيسير كلّ أمر صعب ومستعصٍ.
كان العرب يمضي إلى خاتمة عمره وهو يتساءل عن تكليفه وإذا ما كان قد أدّاه كما يجب، معترفًا بتقصيره مهما قدّم.
يقول الشهيد في وصيّته أيضًا: «أودّعكم إخوتي وأحبّائي، وليس هناك ألم أشد من فراق الأحبّة، عسى أن نلتقي مرّة أخرى»، ليستحضر كلمات الإمام الحسين «ع»: «خُطَّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وخير لي مصرع أنا ملاقيه، ألا من لحق بي استشهد، ومن تخلّف لم يبلغ الفتح». تأكيدًا منه أنّه قد اختار ملاقاة مصرعه والالتحاق بالركب وبلوغ الفتح، فهو ممّن تعلّموا أنّ من يشهر سلاحه من جرحه الدامي، صار رقيقًا في سوق نخاسة لا تعرف الرحمة.
وختم الشهيد «علي العرب» وصيّته: «أنا أواجه حكم الإعدام في أيّ وقت، وأسأل الله «عزّ وجلّ» أن يرزقني الشهادة في سبيله، وما أحلى الشهادة في سبيله»، موصيًا إخوة الدرب على السير على نهج سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع) والشهداء، مردّدًا وصيّة الوداع كما قالها الإمام الخميني «قدّه»: «بفؤاد هادئ وقلب مطمئن وروح مسرورة وضمير آمل بفضل الله أستأذن الشعب وأسافر نحو المقرّ الأبديّ».
– وصيّة «الشهيد أحمد الملالي»
«إنّ الموت ليس انتهاء للحياة، وإنّ الموت ليس فناء وعدمًا» هكذا كان يرى الشهيد موته في سبيل الله تعالى، فهو المؤمن بأنّ الجسد فقط من يموت والروح تبقى حيّة ترزق عند ربّها، فالشهداء يستبشرون فرحين بما آتاهم الله من فضله.
والموت عنده انتقال للعالم الأعلى، وانتقال للعالم الأرفع حيث اجتماع الأبرار والأخيار.
ويقول الملالي في وصيّته إذا اجتهد الإنسان في أن يتعامل مع ربّه، وسعى في أن تكون أعماله خالصة لوجه الله، فإنّ عمله هذا سيكون سببًا لحياته السعيدة الخالدة بقرب الله «عزّ وجلّ»، وهذا القرب يكون على مراتب عدّة، وأعلاه مرتبة هي التي تكون سببًا في اتصال مبدأ الحياة منذ ساعة الموت، وهي أن يقتل الإنسان في سبيل ربّه ويقدّم روحه العزيزة له تعالى، فعندما يقدّم الإنسان روحه لله فباللحظة نفسها تتصل بمبدأ الحياة، وتنال السعادة التي ليس فوقها سعادة، وهذا لا يتحقق إلّا بالشهادة.
وأوصى بالاقتداء بمدرسة أهل البيت «ع» وبالخصوص مدرسة سيّد الشهداء «ع»، منوّهًا إلى أنّ عاشوراء ليست مناسبة للندب والتعزية فحسب، بل كانت وقفة للتأسي بدروسها والاقتداء بأبطالها ولا زالت.
وتطرّق الشهيد في وصيّته إلى ضرورة معرفة لماذا اختار الإمام الحسين «ع» وأبناؤه وأصحابه طريق الشهادة وبهذه الطريقة المفجعة، حيث خلص إلى أنّ الإمام الحسين «ع» باستشهاده قد فتح مدرسة العبرة للجميع ليقارعوا الظلم، ويتحمّلوا الشدائد والمصائب حتى يذوقوا طعم السعادة، وأضاف: «فإذا أردنا أن نتقرّب منه أكثر علينا أن نبذل ما نملك في خدمة هذه القضيّة والسعي لتحقيق أهدافها، وأن نضعها على رأس أولوياتنا، لتقرّ عين الإمام الحسين «ع»، والإمام المهدي «عجّ»، ولنعلم أنّه على قدر همّتنا في المضي في هذا الدرب تكون عنايتهما ولطفهما تجاهنا».
وشدّد على أنّ هذه المسؤولية في تعلّم الإسلام الصحيح، والعمل به وبتعاليمه تقع على عاتق كلّ فرد، وفي كلّ الظروف والأحوال على كلّ فرد أن ينظر إلى ما هي وظيفته تجاه نفسه وتجاه الآخرين، وما هي واجباته وحقوقه في جميع المعاملات، فإذا ما جمع الإنسان بين العقيدة الصحيحة والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، حصل على كمال العناية، والمدد الإلهيّ الذي هو طريق النصر، فنصرة الله سبحانه وتعالى تعني الحفاظ على أحكامه لإصلاح شأن الناس، ودفع المظالم عنهم وإعانتهم على التقوى، وهذا يؤدي إلى انتشار العدل والسعادة في الأرض، ودحر الظلم والأحزان منها.
غيّب النظام الخليفيّ جسدَي الشهيدين «علي العرب وأحمد الملالي» وخلّدت بطولاتهما ذكراهما للأبد.
https://www.instagram.com/p/DMmofSKNRS0/?igsh=Y3VreW5obXV2cGVu