حين بدأت الحربُ الصهيونيّة الغادرةُ على إيرانَ صبيحةَ يوم الجمعة 13 يونيو/ حزيران 2025 تحت اسم عمليّة «الأسد الصاعد»، وقفَ العالمُ كلُّه مُترَقِّبًا عن كثبٍ ردّةَ فعل الجمهوريّة الإيرانيّة.
حينذاك خرج السيّدُ القائد علي الخامنئيّ مُطَمئنًا شعبَه بأنّ إيرانَ لن تُقصِّر في الردّ على المُعتدين.
لم تمضِ إلّا ثماني عشرَة ساعةً حتى بدأ الردُّ الإيرانيُّ على «إسرائيلَ» تحت اسم «عمليّة الوعد الصادق- 3».
شنّت إيرانُ هجماتٍ قويّةً بصواريخَ بالستيّةٍ على مواقعَ عسكريةٍ صهيونيّة، وكثَّفت ضرَباتِها على «تل أبيبَ» عاصمةِ الغُدّةِ السرطانيّة، حاولت ما يُسمّى بالقُبّة الحديديّة اعتراضَ الصواريخ الإيرانيّة، ولكن شاء اللهُ أن تدُكَّ هذه الصواريخُ الحصونَ اليهوديّة، إنّها صواريخُ خيبريّةٌ بصناعةٍ فارسيّةٍ سلمانيّةٍ محمّديّة، كم كان المنظرُ رائعًا والعالمُ يشاهد احتراقَ «تل أبيبَ» جرّاءَ الغاراتِ العلويّةِ الخامنئيّة، وفرارَ بني صهيونٍ إلى الملاجئ الكرتونيّة التي لم تَسلَم هي الأخرى من الضرَباتِ الطهرانيّة، إنّها لحظاتٌ تاريخيّة لن تنساها البشريّة، لأنّها أعادت الروحَ للإنسان والإنسانيّة، وأدخلتِ الفرحَ والسرورَ والبهجةَ على القلوب الفلسطينيّة، فشُكرًا لقادة الجمهوريّة الإيرانيّة على الرُدود الحيدريّة.
لم تتمالك «إسرائيلُ» أعصابَها، فراحت تقصف المباني السَكنيّةَ والمستشفياتِ الحكوميّةَ والمدارسَ المدنيةَ، ثمّ تدَّعي أَمام الإعلام الكاذب بأنّها لم تقصف إلّا المُنشآتِ العسكريّةَ والمراكزَ النوويّة.
استمرّت الحربُ على هذا المِنوال: «إسرائيلُ» تهاجم نَهارًا، وإيرانُ تردُّ ليلًا، والدولُ العربيّة والمُتأسلِمةُ تتفرّج من بعيد، كأنّ الأمر لا يَعنيها، لا من قريبٍ ولا من بعيد.
صَعَّدت «إسرائيلُ» من هجَماتها على إيران، ووسَّعت ضرَباتِها لتشمَلَ مشهدَ وأصفهانَ وقُمَّ وتبريزَ وغيرَها من مدن البلاد، فأصابت القواعدَ التي كانت تظنُ أنّ بها مُنشآتٍ نوويّةً سلميّةً، فكان من الطبيعيّ أن تردَّ إيرانُ بالمثل، لتقصِف بصواريخها الفرطِ- صوتيّة حيفا والقدسَ وبئرَ السبع ومناطقَ الجليل والضفّةَ الغربيّة، بعدما اقتصرت في جَوْلاتها الأولى على الصواريخ البالستيّة.
هنا تغيّرت المعادلة، وأصرّت إيرانُ على عدم وقف إطلاق النار حتى تجعل أنفَ «النَتِنْ ياهُو» تحت أقدامها، فزادت من ضرَباتِها على الكِيان الغاصب الغاشم، ما اضطرّ الصهاينة إلى دفع آلاف الدولارات للهروب على مَتن اليخوت إلى مناطقَ أوروبيّة، ومَن بقي في بيته فإنّ الصواريخ الإيرانيّة اضطرّتهُ إلى القفز من شُرفة بيته بدون منطاد، ليقع في النيران التي التهمت الأخضرَ واليابس، وجعلت المستوطنينَ ما بين مُنتحرٍ ويائس، إنّها صواريخُ فارس، التي تعلَّمت الرمايةَ وركوبَ الخيل من عابس.
حينما لم تستطع «إسرائيلُ» الخروجَ من مأزِقها هذا، أخذت تستنجدُ بالبقرة الحلوب أمريكا، لتدخل الحربَ المباشرة ضدَّ إيران، فشنَّ «ترامب» عدّةَ هجماتٍ غادرةٍ على مناطقَ ظنَّها هو الآخر مُنشآتٍ نوويّة، منها مُنشأةُ «فوردو» الواقعةُ في أطراف مدينة قمّ، وخرج على الإعلام ليقول إنّه أصابَ كلَّ المُنشآت النوويّةِ الإيرانيّةِ بدقّة بالغة، فلا ندري، هل كان بكلامه هذا يستَغبي الحَمقى، أم يَستحمِقُ الأغبياءَ مثلَه؟!!
والجميعُ يعلم أنّ إصابة أيِّ مُنشأَةٍ نوويّةٍ في العالم سينتجُ عنها دمارٌ ودخانٌ وحرارةٌ تُحرق الأجسامَ الصلبةَ وتُذيبُ كلَّ ما عارضها في الطريق، وإيرانُ ـ بحمد الله ـ لم تمُتْ فيها ذُبابةٌ واحدة من جرّاء قصف أمريكا لمُنشأة «فوردو».
والذي زاد من استفزاز ترامب ونَرفزته تصريحُ الحرس الثوري بأنّه نَقلَ هذه المُنشأةَ إلى أماكنَ أخرى أكثرَ أَمنًا وأمانًا، وذلك قبل ضربِها من طرف الأمريكيّين.
هنا وجدت أمريكا نفسَها في مُستنقَع الهزيمة، فقد أدخلت نفسَها في حرب كانت في غنىً عنها، وبدلًا من أن تأتي للدفاع عن «إسرائيل»، هي الآن بحاجة إلى مَن يُدافعُ عنها، وهنا بدأ الردُّ الإيرانيُّ على قاعدة «العديد» وقواعدَ أخرى في العراق، وكانت إيرانُ قد حذّرت أمريكا مُسبقًا بأنّ أيَّ قاعدة لانطلاق الصواريخ الأمريكيّة باتّجاه أراضيها ستكونُ هدفاً مشروعًا للصواريخ الإيرانيّة، وهكذا كان الأمر، فقد قصفت إيرانُ قاعدة أمريكيّةً في قطر، ما جعل الأمورَ تأخذُ مَنحىً آخرَ، قد يُحوّلُ المنطقةُ كلُّها إلى خرابٍ ودمار، وحينما تيقّنت أمريكا أنّ أوّلَ الدمار سيكون في «تل أبيبَ» والقواعدِ العسكريّةِ لها في المنطقة، خرج ترامب صباحًا رافعًا الرايةَ البيضاءَ، مُعلنًا استسلامَه أمامَ السيّد القائد الخامنئيّ، وذلك بإعلانه وقفَ إطلاق النار بينهم وبين إيران.
لقد أرغم السيّدُ القائدُ رئيسَ أقوى دولةٍ اقتصاديّةٍ وعسكريّةٍ في العالم على وقفِ الحرب ضدَّ إيران، وهذا في حدِّ ذاته إنجاز، لم يأمل العربُ وهُم مُجتمعون في أن يُحقِّقوا رُبعَه حتى في الأحلام، فحقّقتهُ دولةٌ تتّبعُ شعارَ «هيهات منّا الذلّة». قالها تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}؛ وقد صدق اللهُ العليُّ العظيم.
وقال قائد الثورة الإيرانيّة: لن تنتهي هذه الحرب إلّا بنصر من الله وفتح قريب، فصدق السيّد القائد، ووفى بوعده لشعبه حين أطلق على هذه العمليّة اسم: «بشارة الفتح»، فكانت بشارةً للنصر الإلهيّ وفتحًا أذلَّ المستكبرَ المُتفرعنَ المتمثّلَ في أمريكا و«إسرائيل»، وأَخزى العربَ والمُطبِّعين.
هزيمةُ أمريكا و«إسرائيل» لن تنساها البشريةُ كما لم تنسَ جرائمَ أمريكا في هيروشيما وناكازاكي، والحمد لله أنّ الذي مرّغ أنف أمريكا في التراب هو دولة شيعيّةٌ جعفريّة حسينيّة، فليفخَر كلُّ شيعيٍّ في هذا العالم بانتمائه إلى مدرسة سيّد الأحرار، مدرسة الشرفاء والأبرار، التي تصنع الرجالَ في زمن قلَّ فيه الرجال الأخيار، وتجعل منهم أبطالاً يخوضون غمارَ البحار، يُقاتلون عدوَّهم في الصحاري والأنهار، لا يُبالون بقلّة العدد ولا تُخيفهم كثرةُ العدو الغدّار، ولا يخشون إلّا من الله الواحد الجبّار، إنّهم أحفادُ الثقفيِّ المختار، جندُ أمير المؤمنين عليٍّ الكرار «ع».
هذه الحرب التي بدأت بغدرٍ صهيونيّ، وانتهت بصاروخ إيرانيّ، غيّرت موازينَ القوى في المنطقة، وخلطت حساباتِ المستكبرين، خسرت أمريكا مشروعَها في الشرق الأوسط بسبب خطئها في التقدير، فظنّت بأنّها تقاتل دولةً عربيّة تخضع لـ«إسرائيل» وتخنعُ وتركع لها، ونسيت أنّها تقاتل بلدًا قائمًا على مبدأ «مثلي لا يُبايع مثلَه»، فإيرانُ لا تبايع مَن كان مثلَ يزيد، وترامب هو يزيدُ هذا العصر، فكيف تنتظر منها أمريكا أن تخضع وتركع!!!
لقد لقّنت إيرانُ عدوَّها درسًا لن يُنسى، وجعلته يحسب ألفَ حسابٍ قبل أن يفكِّر مستقبلًا في الهجوم على هذا البلد المسالِم المقاوِم، ومن اليوم فصاعدًا، كلّما فكّرت «إسرائيلُ» في إعادة الكّرَّة أرسلت لها إيرانُ صور «تل أبيبَ» التي صار العالَم لا يُفرّق بينها وبين غزّة.
فالحمد لله الذي أعزَّ عبدَه المؤمن، وأذلَّ عدوَّه الفاجر، والشكر للجمهوريّة وقائدِها الذي رفع رؤوسَ المستضعَفين عاليًا، وطمأنَهم بأنّ الكون لا يزال بخير ما دام فيه رجالٌ بأسُهُم شديدٌ وربُّهم عتيدٌ وردُّهم عنيدٌ وقصفُهم حديد.
وإن عُدتُم عُدنا وجَعلنا جهنّمَ للكافرين حصيرا.
إدريس البحرانيّ