توقّفت الحربُ مبدئيًّا مع محور الشرّ، بطلبٍ من أمريكا التي بدأت الحربَ بنفسها على إيران، غير أنّ إعلان ترامب وقفَ إطلاق النار بين الجبهتين كان يُخفي في طيّاته أسرارًا عجيبةً وأمورًا غريبة، إذ لا يُعقَل أن تنتهي حربٌ بهذه الطريقة، كان كلا الطرفين فيها مُصرًّا على القضاء على خصمه بأيّ طريقةٍ كانت.
ترامب في اليوم الحادي عشر من الحرب كان قد صرَّح أمام الإعلام بنيّته قصف كلّ المنشآت النوويّة الإيرانيّة، وأنّه لن يُنهي الحربَ إلّا بعد تدميرها كاملة، ولكن بعد ساعات قليلة يُعلِن وقفَ إطلاق النار بين «إسرائيلَ» وإيران، ويقول إنّه يريد الخيرَ والسلامَ للمنطقة!
تَوَقَّفَ إطلاقُ النار في الظاهر، ولكن، لا نعلم ما تُخفيه الأيام القادمة، أو لربّما الساعات القليلة القادمة.
فالعدوُّ معروفٌ بالغدر وقتَ الفجر، كما أنّه مشهورٌ بالخِداع وقتَ نوم السِباع، لذا على إيران الحيطةُ والحذرُ من ذئبٍ خدّاع غدّار ماكِر، فلا تثق في أقواله ولا في أفعاله، فهؤلاء لا عهد لهم ولا ميثاق، إذ لا إنسانيّة لهم ولا دين.
كلُّ الاحتمالات واردة، وكلُّ الأمور ممكنةٌ الآن، فلعلّه الهدوء الذي تأتي بعده العاصفة، ومن هنا كان واجبًا على إيرانَ التهيُّؤُ لأكبرِ عاصفة، إذ مَن هيّأ نفسَه لأسوأ الاحتمالات فإنّه لن يتضرّر إذا لاقاها، وسيكون منتصرًا إذا لاقى أخفَّ منها سوءًا.
نحن الآن في زمنٍ لا تنفع فيها المظاهرات ولا التنديداتُ ولا التصريحات، فالعالم باتَ لا يُؤمِنُ بهذه الأمور، وإنّما الذي ينفع اليوم هو مَنطقُ القوّة لا غير، لأنّنا نعيش في غابةٍ القويُّ فيها يأكل الضعيف.
فالصواريخ بعيدةُ المَدى، والقنابلُ النوويّة هي من يُغيّر المعادلة في المنطقة، والسلاحُ الفتّاك هو الطريقة الوحيدة التي تجلب لنا حقَّنا، والقصفُ اللامحدود وبلا أيّ رحمة أو شفقة هو من يجعلنا ننتصر على عدوّنا الذي لا يفهم إلّا لغةَ الحديد.
ونقولها من الآن: إيرانُ قادرةٌ على الدفاع عن نفسها حتى لو قاتلت تَحالفًا شيطانيًّا بأكمله، مُتمثّلًا بأمريكا و«إسرائيلَ» وفرنسا وبريطانيا ودولِ الخليج المُطبِّع.
فإن قلتَ: كيف لإيرانَ أن تُقاتل كلَّ هؤلاء وحدها؟
قلتُ: أوّلاً إيرانُ ليست وحدَها في الميدان، فمعها الله، ومع عدوِّها الشيطان.
ثانياً: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
وقال: {فَإِن يَكُن مِّنكُم مائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
فإن كنّا نُؤمن بكلام الله، فذا كلامُ الله، وإن كنّا نكفر به، فإنّ الله أعدَّ للكافرين عذابًا مُهينًا.
الإمامُ الحسين «ع» قاتَلَ ثلاثينَ ألفًا من أبناء الطلقاء وأبناء الزنا، ولم يكن معه مئةُ رَجُل، ومع ذلك لم تُثنِهِ قلّةُ العدد عن القتال، ولا أخافته كثرةُ العدو، ولم يُبالِ أَوَقَعَ على الموت أم وقع الموتُ عليه ما دام على حقّ.
المؤمنُ لا يحبُّ الحربَ ولا يُريدها، ولكن إذا ابتُلي بها فعليه عشقُها ما دامت في سبيل الله، والجهادُ عندنا لا يكون إلّا مُقدّمةً لإحدى الحُسنَييْن: إمّا نصر وإمّا شهادة.
فلنتعلَّم من الإمام الحسين «ع» كيف ننتصرُ على عدوّنا مع قلّة عَدَدنا وعُدَّتنا وقلّة ناصرِنا.
فلنتعلّم منه كيف نهزمُ عدوَّنا بالصبر وقوّة الإرادة، وأنّ النصر صبرُ ساعة، وأنّ الله على كلّ شيء قدير.
إدريس البحرانيّ