يولد من رحم النضال أمل جديد في كلّ نقطة من تاريخ الأمم الحيّة، وتخطّ أقلام الشعوب المضطهدة فصولًا جديدة في كتاب الكرامة والحريّة.
اليوم، في الذكرى الثوريّة لفعاليّات «حقّ تقرير المصير»، نستذكر أيامًا هزّت القلوب وحرّكت الضمائر، حيث وقف الشعب شامخًا في وجه الطغيان، مؤكدًا أنّ إرادة الجماهير هي السلاح الأمضى في وجه القهر والاضطهاد.
روح الثورة: من جدحفص إلى الميادين السبعة
كانت البداية في 30 يونيو/ حزيران2011 من مدينة جدحفص، حين أطلق الشعب صرخته الأولى مطالبًا بحقّه المشروع في تقرير المصير، وتوالت الاعتصامات بشجاعة مثيرة للإعجاب، متنقّلة بين البلدات والمدن، من البلاد القديم، إلى سترة، فالدراز، ثمّ الدير، حتى أمام السفارة الأمريكيّة؛ كلّ اعتصام كان أشبه بنداء يشقّ عنان السماء، معلنًا أنّ شعبًا يرفض الذلّ شعبٌ له حقّه في الكرامة والسيادة.
لقد شهدت هذه الفعاليّات مشاهد مفعمة بالثورة والإرادة، حيث التقى صوت الجماهير بالإيمان الراسخ بأنّ التغيير هو قدر أولئك الذين يمتلكون الشجاعة للسعي خلفه.
لماذا «حقّ تقرير المصير»؟
لأنّ تقرير المصير ليس مجرّد شعار تلوّح به الشعوب برؤوس مرفوعة؛ بل هو المبدأ الذي يؤكّد أنّ أيّ شعب حرّ له الحقّ في اختيار مستقبله دون وصاية أو هيمنة. وفي حالة شعب عانى من أشكال عدّة من القمع، يصير هذا المطلب ليس فقط حقًا طبيعيًّا، بل واجبًا مقدّسًا، ودَينًا في رقبة كلّ من يؤمن بالعدالة.
أحداث لا تُنسى
كانت تلك الفعاليّات محطّات استثنائيّة في تاريخ المقاومة الشعبيّة، إذ نجح الثوّار في تحويل كلّ شارع وبلدة إلى رمز نضاليّ يعبّر عن وحدة الشعب وإصراره على الانتصار. مرّت ذكرى اعتصام «زحف السنابس» نحو مركز البحرين الدوليّ للمعارض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 كإحدى أجرأ المحطّات التي جمعت صرخة الشعب في لحظة فارقة. أمّا الاعتصام الخامس عشر في 19 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2013 في بلدات كرباباد والديه والسنابس، فقد أظهر صور التضامن الشعبيّ في وجه آلة القمع.
وفي فعاليّات الميادين السبعة عام 2014، تجلّى الإبداع الثوريّ، حيث تحوّلت الميادين إلى أيقونات تقاوم القهر بكلّ شجاعة، وتمضي قدمًا في تحدّي واقع فرضته القوّة الغاشمة.
سنوات الثورة المتواصلة
استمرّ وهج هذه الفعاليّات خلال السنوات الماضية على الرغم من القمع والتنكيل، بل تطوّر إلى حركات رمزيّة تحمل معها رسائل التضامن ورفض الاستسلام؛ في 13 يوليو/ تموز 2018 بفعاليّة «حقّ تقرير المصير- 18» في سترة، وفي 14 أبريل/ نيسان 2022 في البلدة ذاتها، كان التذكير بأنّ المطالب لا تموت طالما القلب يقاوم، وطالما الشعب يتحدّى ويصرّ على أن يصنع مستقبله بيده لا بيد الأوصياء.
ماذا علّمتنا فعاليّات «حقّ تقرير المصير»؟
علّمتنا ذكرى فعاليّات «حقّ تقرير المصير» أنّ الثورة ليست لحظة عابرة بل مسيرة طويلة، وأنّ الكرامة ثمنها غالٍ ولا يُقدّر. إنّ نضال شعبنا عبر هذه الفعاليّات يُلهم الأجيال القادمة للإيمان بأنّ الحقّ لا يمكن أن يُهزم، مهما حاولت أصوات القمع أن تكتمه.
في هذه الذكرى، نقف وقفة عزّ وتقدير لأولئك الذين كانوا الحاملين لشعلة الحريّة، موقنين أنّ شعوب الأرض المناضلة لا تموت، وأنّ البحرين، بكلّ شجاعتها، كتبت فصولًا خالدة في كتاب الكرامة الإنسانيّة.
«حقّ تقرير المصير».. صوت لا يخبو.