تبرز قصص الشهداء، في زمن تختلط فيه أصداء الهتاف بدموع الأمّهات، وتصدح فيه الكلمات الثوريّة عاليًا مطالبة بالحريّة والعدالة، كأنوار تضيء درب الأجيال القادمة، ملهمة إيّاهم بالحكمة والقوة.
تحوي سيرهم دروسًا وعبرًا، تعزّز فينا إيمانًا راسخًا بقيم العدل والتضحية من أجل المبادئ التي نؤمن بها. وها هو ذا قلمنا يحاول أن يرسم ملحمة الشهيدة «زينب علي أحمد التاجر»، رمزًا للنضال وفيضًا من بحر التضحيات العظيمة التي تقدّمها النفوس الثائرة في سبيل بناء المستقبل.
ولدت الشهيدة «زينب التاجر» في بلدة السنابس، وعاشت حياة غنيّة بالتجارب والمواقف التي تجسّد محور القيم التي تبنّتها وعاشت من أجلها. بلغت من العمر سبعين عامًا، كانت فيها نموذجًا للإصرار والتحدّي، دافعًا قويًّا يغذّي شغاف قلوب الأبناء والبنات في مجتمعها. كانت تحمل في جوانبها قناديل من الأمل وأمثولات الكفاح، ليس فقط في مشاركتها الفعّالة في المظاهرات السلميّة المطالبة بتقرير المصير والحريّة، بل في كلّ يوم من أيّام حياتها، حيث كانت تسعى جاهدة لبثّ روح الوعي والإصرار في نفوس من حولها.
استشهادها لم يكن نهاية لقصّتها بل بداية لملحمة جديدة من الإلهام يتوارثها الأجيال. في الثاني من يونيو/ حزيران عام 2011م، تعرّضت السنابس لهجوم عنيف من قوّات المرتزقة، تبعه إطلاق مكثف للغازات السامّة كعقاب جماعيّ، استهدف منازل الأهالي، وأغرق المنطقة في سحابة خانقة من الدخان السام. زينب، بحكمتها وقوّتها، وفي لحظة اختطاف الأنفاس، وجدت نفسها أمام معترك آخر للنضال من أجل الحياة؛ تعرّضت للاختناق، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة لإنقاذها، فارقت الحياة مساء ذاك اليوم، لتضيء بروحها شعلة لا تنطفئ في قلوب أبناء شعبها.
والآن، ننحني إجلالًا وتقديرًا لروح الشهيدة زينب ولكلّ شهداء الحريّة، فمن تضحياتهم نستلهم العزم والإرادة. تروي قصّتها رسالة خالدة إلى الأجيال التي لم تأت بعد: إنّ الحريّة تستحقّ كلّ تضحية، والحق في التعبير والعيش بكرامة هو لبّ الحياة الإنسانيّة. لتعلموا، أيّها السائرون على درب الحريّة أنّ كلّ قطرة دم سالت، وكلّ روح ارتقت شهيدة، جزء لا يتجزأ من الأسس التي تُبنى عليها أمم تسعى إلى العدالة والحريّة. لن ننسى، وسنواصل السير على درب الحقّ، مستلهمين قوّة شهدائنا وحكمتهم.