نستلهم العبر وننهل من ينابيع التضحية مواقف الكرامة والصمود في كنف الذكريات المتجدّدة التي تحتضن أرواح الشهداء. نحن اليوم نقف بكلّ إجلال وإكبار لنعيش ذكرى استشهاد الشهيد «السيّد عباس جعفر مكي» الذي سكب دمه الطاهر على جبين التاريخ، مخطًا درب الخلود بخطى وثّابة نحو الحريّة والعدالة؛ لنا في سيرته الطهريّة مثل أعلى، وفي استشهاده درس لن يتقادم.
الشهيد «السيّد عباس مكي» ابن المنامة الوفي، مواليد الأطهار وحامل لواء العزّ في زمن التحدّيات كان يبلغ من العمر خمسًا وخمسين عامًا، أحبّ وطنه وأهله بكلّ جوارحه، متمسّكًا بأصوله ومبادئه حتى آخر يوم من حيات. في الثاني عشر من مايو/ أيّار 2013، كان الفراق الأليم في أحد مستشفيات الجمهوريّة الإيرانيّة، ولكن روحه كانت قد عانقت السماء قبل هذا بكثير إثر نضاله الطويل في سبيل حقوق شعبه وحريّته.
وفق شريط مصوّر بثّه أحد أبناء الشهيد، تعرّض الشهيد في 16 مارس/ آذار 2011 لإصابات بالغة أثناء مشاركته في احتجاجات دوار الشهداء (اللؤلؤة)، تلك التي واجهتها قوّات الاحتلال السعوديّ بعنف، نُقل على إثرها إلى مستشفى السلمانيّة، لكن في اليوم التالي، وبينما كان يحاول مغادرة المستشفى، خطفه أفراد من الجيش والشرطة واقتادوه إلى مركز الحورة.
بعد يومين من فقدان الاتصال، سُمح له بالاتصال بأسرته ليُعلمها بالإفراج عنه، لكن بعد عودته، تدهورت حالته الصحيّة بشكل ملحوظ بسبب التعذيب الذي تعرّض له. في محاولة يائسة لإنقاذ حياته، سافر للعلاج في الهند، وهناك شُخّص وضعه بتعرّضه لنزف حاد في الصدر أدّى إلى تلف الكبد، ما استلزم خضوعه لعمليّة جراحيّة عاجلة، غير أنّ حالته استدعت التحويل إلى إيران حيث فارق الحياة بعد ثمانية أيّام من العمليّة.
اليوم، ونحن نقف على أعتاب هذه الذكرى الأليمة، لا يسعنا إلّا أن نتأمل في حياة الشهيد «السيّد عباس مكي» ومواقفه، وهو الذي ثبت على مبادئه وقيمه حتى نفسه الأخير. يُستلهم من سيرته العزم والثبات في وجه التحدّيات اليوميّة التي تواجه كلّ محبّ للحريّة والعدالة. إنّ مواجهة الصعاب بروح المثابرة والتفاني هي الدروس التي تعلمناها من هذا العلم الباقي الذي لا تطاله المحن؛ ليكن شعارنا دومًا، كما كان للشهيد، الثبات على الحقّ والوقوف الدائم في وجه الظلم مهما عظم الثمن.