يواصل الاقتصاد في البحرين، في مشهد بات مألوفًا ومؤلمًا، انحداره وسط تخبّط حكوميّ وقرارات ماليّة لا تعكس سوى سوء إدارة مزمن وافتقار لرؤية اقتصاديّة حقيقيّة؛ وبينما تتضخّم أرقام الدين العام لتصل إلى مستويات كارثيّة، يواصل النظام الخليفيّ تحميل المواطن وحده تبعات فشله المتراكم.
في بلد صغير الموارد كالبحرين يفترض أن تُدار الإمكانيّات المتاحة بأقصى درجات الكفاءة والشفافية. وهو ما تطالب به المعارضة الوطنيّة البحرانيّة، لكنّ ما يحدث هو العكس تمامًا: سياسات ماليّة مرتجلة، إنفاق غير رشيد، وغياب شبه تام للمحاسبة في ظلّ سلطة تشريعيّة ورقابيّة شكليّة تنفّذ أجندات السلطة التنفيذيّة حرفيًّا. والنتيجة؟ دَين عام تجاوز 130% من الناتج المحليّ، وركود اقتصاديّ يلتهم ما تبقى من آمال بتحسّن قريب.
المفارقة أنّ «الحكومة» التي تسيطر على مفاصلها العائلة الخليفيّة، بدلًا من مواجهة جذور الأزمة، اختارت أسهل الطرق وأقساها على المواطن: فرض الضرائب، رفع الأسعار، تقليص الدعم، وزيادة الرسوم. وكأنّ جيب المواطن البسيط هو الحلّ السحريّ لعلاج سنوات من العبث الماليّ وسوء التخطيط، وإهدار الملايين على سباقات الخيل وألعاب ترفيهيّة أخرى خاصّة بالعائلة الخليفيّة.
الواقع أنّ ما يُسمى بـ«برامج الإصلاح الاقتصادي» لم تكن سوى غطاء لإجراءات قاسية تستهدف ذوي الدخل المحدود، بينما بقيت الامتيازات على حالها لأصحاب النفوذ، واستمرّت المشاريع الفاشلة التي تبتلع الملايين دون مردود حقيقيّ.
يقول أحد الاقتصاديّين لـ«مركز الأخبار» مفضّلًا عدم ذكر اسمه: «الفساد يُكافأ عليه، والكفاءة تُهمّش، والصمت يُفرض على كلّ من ينتقد أو يُهدّد بالاعتقال والتغييب في السجون… في هذا المناخ، من الطبيعي أن يغرق الاقتصاد».
المواطن البحرانيّ صار يشعر أنّ الحكومة تحاربه في لقمة عيشه، بدلًا من أن تحميه. لا توجد محاسبة، ولا توجد مساءلة، وكلّ ما يُطلب من الشعب هو الصبر، بينما تُستنزف ثروات البلد على توطين المجنّسين الأجانب وعلى أيدي من يفترض أنّهم مسؤولون عن حمايتها.
إنّ استمرار هذا النهج الكارثيّ لا يعني سوى مزيد من التدهور، ومزيد من الضغط على الناس. والحلّ لن يأتي عبر تحميل الفقراء المزيد من الأعباء، بل في مواجهة الحقيقة: البحرين بحاجة إلى إعادة هيكلة شاملة لسياساتها الاقتصاديّة تبدأ من الأعلى لا من الأسفل، بل تحتاج أكثر إلى معالجة جذريّة لـ«أمّ الأزمات» وهي الأزمة السياسيّة المتفاقمة، والتي تعكس بظلالها – حكمًا – على الأوضاع الاقتصاديّة المترنّحة.