نشرت صحيفة «منامة بوست» الإلكترونيّة تقريرًا تناول الدور الذي تؤدّيه البحرين في ظلّ حكم آل خليفة الذين تربطهم علاقات قديمة مع الجارة السعوديّة من جهة ودول الاستعمار من جهة ثانية، عزّزوها أخيرًا باتفاقيّات التطبيع مع الكيان الصهيونيّ.
التقرير الذي جاء بعنوان «دولة وظيفيّة أم شريك استراتيجيّ؟.. قراءة في أدوار الدولة الصغيرة في منظومة الكبار» انطلق من تساؤل مشروع: «هل نجحت البحرين في التمسّك بسيادتها؟ أم باتت دولة وظيفيّة، أي أنّها لا تُمارس السيادة الكاملة على قراراتها، بل تؤدّي وظيفة محدّدة ضمن شبكة مصالح لقوى إقليميّة أو دوليّة»؟ بعد أن شغلت موقعًا استراتيجيًّا في التوازنات الإقليميّة والدوليّة، ولا سيّما أنّ المعارضة البحرينيّة، بعكس ما تشيعه أجهزة إعلام السلطة وحلفائها، تقول إنّها «تكافح» لاسترجاع القرار الحرّ السياديّ للدولة المستقلّة في العام 1971.
يذكر التقرير أنّه منذ القرن التاسع عشر، كانت البحرين مركزًا وظيفيًّا لبريطانيا، التي استخدمتها كقاعدة لوجستيّة وإداريّة لحماية طرق تجارتها نحو الهند، ولم تكن تتمتّع بسيادتها الوطنيّة، فالقرارات الكبرى كانت تمرّ عبر المستشار البريطانيّ «تشارلز بلغريف».
وعلى الرغم من إعلان استقلالها عام 1971 لم تتحرّر من الدور الوظيفيّ، بل أعادت تشكيله؛ اعتمادًا على الحماية الغربيّة لضمان الاستقرار.
ومع اندلاع الثورة الإسلاميّة في إيران، ثمّ الحرب العراقيّة – الإيرانيّة في الثمانينيّات، عدّ النظام إيران تهديدًا وجوديًّا له، لذا عمّق تحالفاته مع الولايات المتّحدة والسعوديّة، وقد تبلور ذلك باحتضان البحرين للأسطول الخامس الأمريكيّ، منذ منتصف التسعينيّات الذي حوّل البحرين إلى محور أمنيّ في منظومة الأمن الغربيّ في الخليج.
لم يكتف النظام بإباحة أرض البحرين للأمريكان فمن قاعدة الجفير، إلى محطة الدعم اللوجستيّ، وحتى منشآت مراقبة واستخبارات غير مُعلنة، واتفاق التكامل الأمنيّ والازدهار بين البلدين، أُلحقت البحرين تمامًا بالاستراتيجيّة الأمريكيّة دون أيّ هامش استقلاليّة، إضافة إلى إعادة إنشاء قاعدة عسكريّة بريطانيّة، وتخصيص قاعدة لقوّات درع الجزيرة، وللقوّات الإماراتيّة، وليس أخيرًا مكاتب أمنيّة بينها مكتب للموساد «الإسرائيليّ».
عام 2011، ومع اندلاع الاحتجاجات في البحرين، أصبح واضحًا أنّ النظام يرى بقاءه مرتبطًا بالدعم الخارجيّ، فقد لجأ إلى «درع الجزيرة» بقيادة السعوديّة لقمع الحراك الشعبيّ، واتضّح أنّ أمن النظام في البحرين لم يعد مسألة داخليّة، بل صار قضيّة أمن إقليميّ، ما أدى لانكماش السيادة وزيادة الاعتماد على الخليج والغرب، وتوسيع الفجوة بين الدولة والشعب.
ورأى التقرير أنّ النظام اختار هذا الطريق بسبب عقليّته القبليّة التي تؤمن بأنّ بقاء الحكم يتطلّب دعمًا خارجيًّا، مستبعدًا المصالحة مع أكبر طائفة في البلد (الشيعة).
من الناحية الاقتصاديّة، لا تعدّ البحرين فقيرة فعليًّا، لكنّ سياسات احتكار الثروة من العائلة الحاكمة سبّبت أزمات اقتصاديّة، ما دفعها لتلقي دعم ماليّ خليجيّ منذ 2018 بلغ 10 مليارات دولار. هذا الاعتماد الأمنيّ والماليّ الخارجيّ بات وسيلة بقاء للنظام الحاكم في ظلّ هشاشة شرعيّته الداخليّة.
ويقول التقرير إنّ وصف «الدولة الوظيفيّة» هو وصف سلبيّ بالعموم، لكنّه حمل بعض المكاسب للعائلة الحاكمة، حيث أصبحت البحرين محميّة سياسيًّا، ومركزًا عسكريًّا دوليًّا، وإن كان من الممكن لأيّ «دولة وظيفيّة» أن تعيد تموضعها فإنّ رفض النظام الخليفيّ تمامًا خيار التصالح والتسويات وتحصين الساحة الداخليّة، ومع ضغوط الغرب ودول الجوار الخليجي انتهت البحرين إلى نموذج كامل لـ«الدولة الوظيفيّة»، وأصبحت منصّة عسكريّة وأمنيّة غربيّة خليجيّة قد تتعرّض للضرر في أيّ وقت، ولا سيّما مع توسيع الهوّة بين الحكم والشعب.