في ضمير الليل البهيم، حيث يُخيَّل للظالم أنّ صوت الحقّ قد أُخرس، وفي أقصى عمق الألم والظلم البشريّ، تتفتّح الأرواح شهداء كزهرات الأمل في صحراء العدالة القاحلة.
نستذكر اليوم، بنبرة قلبيّة مفعمة بالحزن والإباء، ذكرى استشهاد الشاعر الثائر، رمز الصمود والكبرياء، «منصور آل مبارك» الذي ضحّى بنفسه على مذبح الحريّة، لكي يعيش الوطن.
في العقد الخامس من عمره، جسّد منصور آل مبارك قصّة بطوليّة في مشهد الكفاح الطويل من أجل العدالة والمساواة في زوايا شوارع منطقة عالي. في السابع عشر من مارس/ آذار عام 2017، انطفأت شعلة هذا البطل لكنّها ظلّت مضيئة في قلوب من عرفوا قيمة الإباء وسموّ الروح. لطالما كان منصور أكثر من مجرّد رقم بين المنادين بالحريّة، فقد كان صوتًا، أو بالأحرى، قصيدة تنبض بألم الكفاح وحلم التحرر.
اُعتقل منصور آل مبارك في شهر مارس/ آذار عام 2011، بينما كان عائدًا إلى بلدته، في نقطة تفتيش بالقرب من قرية بوري، ليجد نفسه مجرّدًا من حقوقه، برفقة الشهيد محمد حبيب آل يحيى. في مركز شرطة الرفاع، واجه منصور واقعًا مروعًا، حيث تعرّض للتحقيق والتعذيب الوحشي مرّات عدّة، إنّه عرض طويل لمأساة إنسانيّة، حيث تُنزع إنسانيّة الفرد شيئًا فشيئًا. أُفرج عنه لاحقًا، لكنّ الآثار الجسديّة والنفسيّة لهذا التعذيب لم تفارقه، ليسقط أخيرًا تحت وطأة مرض مزمن، قاومه بكلّ ما أوتي من قوّة حتى لحظاته الأخيرة.
وإذ نقف اليوم على أعتاب ذكرى استشهاد منصور آل مبارك، نجدّد العهد على أنّ ثورة اللؤلؤ، التي سالت فيها دماؤه الطاهرة، لا تزال مشتعلة في قلوبنا، تنير دربنا نحو الحريّة وتقرير المصير. لن تُمحى البصمات التي تركها منصور ورفاقه من ذاكرة الوطن؛ فهي كالنار التي تذكي جذوة النضال.
إنّ ذكراه تتجدّد مع كلّ فجر يشرق، معلنة أنّ الطريق لم ينتهِ بعد، وأنّ الكفاح يستمرّ حتى يحقّق الوطن كامل سيادته ويتسيّد أبناؤه مقاليد مصيرهم، متسلّحين بروح الإرادة وإيمان عميق بالعدالة والحريّة.