وجّهَ رئيسُ مجلسِ الشّورى في ائتلافِ شبابِ ثورةِ 14 فبراير خطابَهُ السّنويَّ بمناسبةِ شهرِ رمضانَ المباركِ، هذا نصُّهُ:
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلّى الله سيّدِنا محمّدٍ خَاتمِ النبيّينَ والمُرسلينَ، وعلى أهلِ بيتِهِ الصادقينَ وعترتِهِ الناطقينَ، اللهم العنْ جميعَ الظالمينَ، واحكُمْ بينَنَا وبينَهُم يا أحكمَ الحاكمينَ.
نستقبلُ الشهرَ العظيمَ، شهرَ رمضانَ الذي هو شهرُ ربِّ العالمينَ، شهرُ التضحياتِ والانتصاراتِ، شهرُ المقاومةِ والصمودِ، مقاومةِ كلِّ مَنْ يعتدي على الشعائرِ الدينيّةِ ويمنعُ إقامَتَها بحُججٍ واهيةٍ بعيدةٍ من الدينِ وشريعةِ النبيِّ الكريمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ)، ومقاومةِ تطبيعِ الخُنوعِ والذُلِّ مع الكيانِ الصهيونيّ، المرضِ الخبيثِ الذي ابتُليَ به جسدُ الأمّةِ الإسلاميّةِ، وهو شهرُ التقييمِ السليمِ وإعادةِ الحساباتِ، بعيدًا من الأهواءِ النفسانيّةِ والوساوسِ الشيطانيّةِ، والنعراتِ الطائفيّةِ.
وفي ظلالِ نسائِمِ عطرِ الشهرِ الكريمِ، نطرحُ بعضِ النقاطِ:
الأولى: الكلماتُ البليغةُ في القرآنِ المجيدِ، والأخبارُ الصحيحةُ عن الرسولِ العظيمِ (صلّى الله عليه وآله) بيّنتْ آثارَ شهرِ ضيافةِ اللهِ سبحانَه وتعالى وبركاتِهِ، و وما به من ثوابٍ جزيلٍ وأجرٍ كبيرٍ، ونِعَمٍ لامتناهيةٍ ليمتحنَ فيه اللهُ (عزّ وجلّ) عبادَهُ، ويقرّبَهُم إليه بطاعتِهِ وعبادتِهِ، فتزوّدُوا من هذه الضيافةِ بزادِ الأعمالِ الصالحةِ، وزادِ التقوى، والعملِ بما أوجبَهُ والابتعادِ عمّا نهى عنهُ، وقد أوصى سيّدُ المُتقينَ أميرُ المؤمنينَ عليُّ ابنُ أبي طالب (عليه السلام) بالتقوى في قولِه: «أُوصِيكُمْ، عِبَادَ اللَّهِ، بِتَقْوَى اللَّهِ الَّتِي هِيَ الزَّادُ وبِهَا الْمَعَاذُ: زَادٌ مُبْلِغٌ ومَعَاذٌ مُنْجِحٌ.. فَبَادِرُوا الْعَمَلَ، وخَافُوا بَغْتَةَ الأجَلِ، فَإِنَّهُ لا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الْعُمُرِ مَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الرِّزْقِ، مَا فَاتَ الْيَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِيَ غَداً زِيَادَتُهُ، ومَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ لَمْ يُرْجَ الْيَوْمَ رَجْعَتُهُ، الرَّجَاءُ مَعَ الْجَائِي، والْيَأْسُ مَعَ الْمَاضِي فـ{اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}»، فأفضلُ الزادِ ليومِ المعادِ، في أفضلِ الشهورِ وأفضلِ الأيّامِ وأفضلِ الساعاتِ، في شهرِ رمضانَ هو تقوى اللهِ وتهذيبُ النفْسِ وتزكيتُها والابتهالُ إلى اللهِ سبحانه وتعالى بالدُعاءِ عند حلولِ الشهرِ الكريمِ، وفي أسحارِهِ وعند الإفطارِ؛ فإنّ للصائمِ عند إفطارِهِ دعوةً لا تُرَدّ.
الثانية: لا غرابةَ فيما نشاهدُهُ من تصرّفاتِ اليهودِ الصهاينةِ وأفعالِهِم وقسوةِ قلوبِهِم، حيث لا رحمةَ عندَهُم ولا شفقةَ، فقد ظهرَ من جرائمِهِم ومجازرِهِم ما لا يمكنُ عدُّهُ ولا وصفُهُ،كيف لا؟ وهمْ من وصفَ القرآنُ الكريمُ قلوبَهُم بأنّها أشدُّ قسوةً من الحجارةِ في قولِهِ تعالى:﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً..﴾؛ وكلُّ مواقفِهِم وأفعالِهِم توضحُ من دون أدنى شكٍّ أنّهم فقدُوا الإحساسَ الإنسانيَّ في الحياةِ مع الآخرينَ، وأنّهم لا يقيمونَ وزنًا للبشرِ ولا للمعاهداتِ والقراراتِ الدوليّةِ، بل يأخذونَها على محملِ السُّخريةِ والاستهزاءِ، وينقضونَها علنًا من دونِ خجلٍ أو حياءٍ، كلُّ ذلك ليس سوى تلك الروحِ الخبيثةِ المليئةِ بالخيانةِ والاعتداءِ على الغيرِ، ونقضِ العهودِ التي ورثوها من أسلافِهِم اليهودِ (عليهم لعائنُ الله)، وبذلك صارتْ هذه الصفاتُ جزءًا من ذواتِهِم وطبيعتِهِم البشريّةِ والوراثيّةِ، وإلى جانبِ هذه الصفاتِ الدنيئةِ والمقزّزةِ نرى أمريكا الشيطانَ الأكبرَ والداعمَ للإرهابِ تقفُ إلى جانبِهِم في مخالفتِها كلَّ القراراتِ والمعاهداتِ، غيرَ آبهةٍ لما أحدثوه من دمارٍ وقتلٍ للإنسانيّةِ في فلسطينَ ولبنانَ، والطامةُ الكبرى ما يُسمَعُ من الرئيسِ الأمريكيِّ المهرّجِ أنّه يريدُ أن يقدّمَ معروفًا لأهالي غزّةَ، بإفراغِها منهم وتهجيرِهِم والاستيلاءِ على ممتلكاتِهِم وبيوتِهِم وجعلِها منتجعًا لسلبِ الأموالِ وللفسادِ والإفسادِ، إلى جانب ذلك الموقفُ الضعيفُ من بعضِ الأنظمةِ العربيّةِ الخاضعةِ، ويبقى الرهانُ على المقاومةِ وصمودِ جمهورِها الأسطوريِّ، لإسقاطِ مشروعِ التهجيرِ وإعادةِ أرضِ فلسطينَ كلِّها إلى الفلسطينيّينَ، وتحريرِ المسجدِ الأقصى من أيدي الصهاينةِ المحتلّين.
الثالثة: نُذكّرُ شعبَنَا العزيزَ بفعاليّةِ أوّلِ جمعةٍ من شهرِ رمضانَ المباركِ ونشدّدُ على التفاعلِ الواسعِ معها، وهي مناسبةُ «اليومُ الوطنيُّ لطردِ القاعدةِ الأمريكيّةِ من البحرين»، لأنّ وجودَ القواعدِ الأمريكيّةِ في البحرينِ وجهٌ من وُجوهِ الاحتلالِ، وصنفٌ من صُنوفِ الإرهابِ لم يكنْ بإرادةِ الشعبِ الذي هو مصدرُ السلطاتِ، فلا مبرّرَ شرعًا ولا قبولًا شعبيًّا لهذا الوجودِ، وما لا مبرّرَ له لا بُدّ من مواجهتِه، وليس ذلك بمستحيلٍ إذا توفّرتِ الإرادةُ والعزيمةُ، وتوحّدتِ الكلمةُ ونُبذتِ الفِرقةُ، ونظرَ الجميعُ بعينِ البصيرةِ إلى مصلحةِ البلادِ وأمنِ العباد، إذ لا مصيبةَ أكبرَ من مصيبةِ منْ يسلُبُ البلادَ ويسرقُ العبادَ بقميصِ الدفاعِ عن حقوقِ الإنسان، والأشدُّ من ذلك أنّ بعضَ الأنظمةِ العربيّةِ تعتقدُ أنّ الخبيثَ طيّبٌ والرديءَ جيّدٌ، تدفعُ الأموالَ الطائلةَ من خزينةِ الدولةِ وجيوبِ المواطنينَ حفاظًا على كراسي حكّامِها، الذين يظنّونَ أنّ أمريكا هي الحاميةُ والراعيةُ لمناصبِهِم، تاركينَ الشعوبَ التي هي الأساسُ لحمايةِ الأوطانِ وبناءِ الدولِ التي يتعايشُ فيها الجميعُ.
الرابعة: شعبُ البحرينِ شعبُ الإيمانِ، شعبٌ يتوقُ للحريّةِ، وهو شعبُ التغييرِ وتقريرِ المصير، وهو شعبُ الإصلاحِ وبناءِ الوطنِ، شعبٌ يأبى الضيمَ ونهضتُه نهضةُ الحسينِ (عليه السلام)، لا يقبلُ الذلَّ والخنوعَ، ولا يستسلمُ لواقعٍ مرفوضٍ، دينُهُ يفرضُ عليه الاستمرارَ والمُطالبةَ الدائمةَ بالحقِّ الشاملِ والكاملِ، ومقاومةَ أيِّ مشروعٍ لا ينسجمُ مع عقيدتِهِ، هذا الشعبُ الصابرُ والعظيمُ سيبقى بإيمانِهِ وانتمائِهِ مقاومًا، حتى تتحققَ الانفراجةُ العادلةُ لكلِّ أبناءِ الوطن، وحتى تسقطَ كلُّ المشاريعِ الباطلةِ والجائرةِ، والبعيدةِ عن القِيَمِ والمفاهيمِ الإسلاميّة.
الخامسة: على النظامِ الخليفيِّ أن يتركَ الاستبدادَ، ويأخذَ العبرةَ من تاريخِ الماضي والحاضر، فأينَ قارونُ الرجلُ المُستكبرُ الثريُّ الذي كان يعتمدُ على علمِهِ وثروتِهِ؟ وأين فرعونُ الظالمُ الذي ادّعى الأُلوهيّةَ والرُبوبيّةَ وقال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ﴾؟ كلاهما لقيَ مصيرًا أسودَ، وأين صدّامُ الذي طغى وتجبّرَ وقتلَ وعاثَ في الأرضِ فسادًا؟ والأمثلةُ كثيرةٌ على نهايةِ الطَواغيتِ، فلا الثراءُ أنقذَهُم، ولا الجيشُ والبطشُ وقوّةُ السلاحِ استطاعُوا أن يواجهُوا انتصارَ اللهِ لعبادِهِ المؤمنينَ والمظلومينَ، تلك سُنّة اللهِ ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلًا﴾، ومن شكَّ في سُنّة اللهِ التي لا تتخلّفُ فلينظرْ إلى ماضيه وحاضرِهِ؛ فكمْ من مستبدٍّ ومتجبّرٍ أهلكَهُ اللهُ تعالى، وكم من قريةٍ أهلكَها اللهُ وهي ظالمةٌ، وكم من نبيٍّ استنصرَ اللهَ على قومِهِ فلم يتأخّرْ عنه عونُ اللهِ ولا نَصْرُهُ؛ بل كانَ موعدُهُم الصبحَ؛ أليس الصبحُ بقريبٍ؟ قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.
السادسة: بقلوبٍ حزينةٍ ودّعتِ الجماهيرُ الغفيرةُ سيّدَيْنِ عظيمَي القدرِ والمنزلةِ، نذرا حياتَهُما للجهادِ والمقاومةِ، وودّعنا صاحبَ الإطلالةِ البهيّةِ والعلنيّةِ في شهرِ رمضانَ المباركِ، الشهيدَ الأقدسَ والأسمى «سماحةَ الأمينِ العامِ لحزبِ اللهِ السيّد حسن نصر الله (رضوان الله تعالى عليه)»، رجلُ الحكمةِ والمعرفةِ، الرجلُ الأمينُ والمؤتمنُ على الدينِ والدنيا، الذي أفنى عمرَهُ في سبيلِ نصرةِ المظلومينَ ودفاعًا عن المستضعفينَ، وضحّى بنفسِهِ من أجل الأمّةِ والقضيّةِ الفلسطينيّةِ، إليه نتوّجهُ بالقولِ: «ربما يا سيّدَنا وحبيبَ قلوبِنا غابتْ عنّا إطلالتُك العلنيّةُ ولكنَّ روحَك ونهجَك في ضميرِنا وفي كلِّ ضمائرِ أحرارِ الأمّة، ومسيرتَك الجهاديّةَ ومقاومتَك الشريفةَ ستستمرّان بصلابةٍ وشدّةٍ حتى يتحققَ وعدُ اللهِ الذي وعدَ بهِ المؤمنينَ، وها هي الجماهيرُ التي شيّعتْكَ والطيرانُ الصهيونيُّ يحلّقُ فوقها، تقولُ للعالمِ وتهتفُ بحناجرِها: لبّيكَ يا نصرَ الله- إنّا على العهدِ يا نصرَ الله- حتى زوالِ الكيانِ الغاصبِ، وتحريرِ القدسِ والمسجدِ الأقصى».
ونؤكّدُ أنّ ما حدثَ في سوريا وتغُيّرَ الأوضاعِ فيها، لن يفتَّ من عزمِ المقاومةِ وإرادتِها ولن يتراجعَ الشُرفاءُ المخلصون عن قضيّتِك وقضيّةِ الأمّة، ولن يتخلّوا عن أيّ شبرٍ من أرضِ فلسطينَ، وسينتصرُ اللهُ لعبادِهِ ويؤيّدُهُم بنصرِه، فالنصرُ قادمٌ لا محالةَ ﴿بَلِ ٱللَّهُ مَوْلَىٰكُمْ ۖ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّٰصِرِينَ﴾.
نودّعُك يا سيّدَنا وعزيزَنا، ونودّعُ رفيقَ دربِكَ السيّدَ الهاشميَّ، وداعًا مع الأنبياءِ والصدّيقينَ والشهداءِ وجميعِ الأبرار، سلامٌ عليكَ يا سيّدَ شهداءِ الأمّةِ وعلى صفيِّك «الشهيدِ السيّدِ هاشم صفي الدين»، وسلامٌ على روحَيْكُما وبدنَيْكُما، وسلامٌ عليكُما بما صبرْتُما فنعمَ عُقبى الدار.
ختامًا: ألفُ تحيّةٍ للشعوبِ المقاومةِ، وألفُ تحيّةٍ لشعبِنا الأبيِّ المناضلِ، ولكلِّ معتقلٍ ومهجّرٍ، وستبقى المقاومةُ بفكرِ قائدِها ومفكّريها حتى النصرِ النهائيِّ بإزالةِ الوجودِ الأمريكيِّ من المنطقةِ والقضاءِ على المرضِ الخبيثِ الكيانِ الصهيونيّ، وتطهيرِ الأرضِ منهما ومن أذنابِهما.
نسألُ اللهَ تعالى أن يُنعِمَ على شعوبِ المنطقةِ بالأمنِ والأمانِ والنصرِ الموعودِ، وأنْ يُبلّغنَا وإيّاكُم صيامَ شهرِ رمضانَ المباركِ وأنْ يغفرَ لنا ذنوبَنَا فيه، خابَ وخسرَ من أدركَ شهرَ رمضانَ ولم يُغفرْ له.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين
وما النصرُ إلّا من عنِد الله.
رئيس مجلس الشّورى في ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير
السبت 1 مارس/ آذار 2025م