في أعماق تراب البحرين الغالي، بين ذرّات اللؤلؤ المتناثر، تكمن قصص الأبطال الذين تحدّوا الظلم، خُلقت من إرادة الحريّة وصبر الكبار.
في هذه الأرض وعلى صفحات التاريخ، سطّر «الأستاذ حسن مشيمع» اسمه كرمزٍ للنضال والتحدّي؛ تمرّ اليوم الذكرى الرابعة عشرة لعودته الغرّاء من منفاه في لندن إلى أحضان وطنه، متأهّبًا للاعتقال بثبات قبل أن تطأ قدمه الزنزانة، مدركًا أنّ مسيرة الكفاح لا تقف عند حدود القضبان.
ليست عودة مشيمع إلى البحرين سوى فصل في ملحمة طويلة أرادت أن تسرد حكاية النضال والصمود. فبعد14 عامًا من الاعتقال، لا تزال عزيمته تناطح غيوم اليأس، وروحه الثوريّة تُنير دروب الحريّة. الأستاذ مشيمع، القائد المعارض وأكبر سجين سياسيّ، يقبع اليوم في زنازين المؤبّد في سجن جوّ؛ تلك الجدران التي تُفترض أن تطبّق القانون على المجرمين، لكنّها، للأسف، شهدت انتهاك معايير الإنصاف والعدالة.
يواجه مشيمع في هذا المعتقل، وهو الذي تخطّى عمره 77 عامًا، ظروفًا إنسانيّة قاسية، قمّة في البؤس والاضطهاد؛ تتمثّل هذه الحقائق المرّة في الإهمال الطبيّ الصارخ الذي يُعدّ إعدامًا بطيئًا في حقّ مناضل أنهكه المرض وتقدّم به العُمر، فلا تجد ركبته المُتآكلة، وأسنانه المُتهالكة، وكليتاه المُتعبتان العناية المثلى؛ بل يُهمل الأستاذ مشيمع حتى في أمراضه المزمنة كالسكري وضغط الدم، بينما يُمنع من إجراء الفحوصات الدوريّة الضروريّة لاستمرار حياته.
إنَّ الممارسات الممنهجة من النظام الخليفيّ ضدّ مشيمع، بدءًا من اعتقاله بلا مذكّرة توقيف قانونيّة، مرورًا بالتعذيب والاختفاء القسريّ، وانتهاءً بالسجن الانفراديّ والعزل والانتقام، تتعارض مع كلّ المواثيق والاتفاقيّات الدوليّة التي تحفظ كرامة الإنسان وحقوقه، إنّها تتجاهل روح اتفاقيّة مناهضة التعذيب وقواعد «نيلسون مانديلا» لمعاملة السجناء التي تنادي بأدنى معايير العيش الكريم.
هذه الذكرى ليست للحديث عن الماضي وحسب، بل هي منارة لاستلهام ثورة الحاضر وإعلاء صوت المستقبل. وليكن كلّ يوم نذكر فيه الأستاذ مشيمع يومًا للتجديد والوعد بأنّ طريق الحريّة لم تغلق أبوابها ولن تغلقه، نحيي فيه روح الأستاذ الثوريّة، ونعاهده على أن لا يضيع صراخه المكتوم خلف قضبان الظلم سُدى، وأن تظلّ مقاومته الصلبة شعلة تضيء درب الأجيال القادمة نحو العدالة والحريّة، ونقول له: «إن ظلموك يا مشيمع، فقد علّمتنا أنّ الحريّة أبيّة، لا تُقيِّد، ولن تُشيَّع».