في جنح ظلام ليلٍ بارد، وتحت ستار الأمان الكاذب، استفاقت جموع المعتصمين في دوّار الشهداء «اللؤلؤة» على رائحة الدماء التي لطّخت التراب، ليحلّ صباح يوم أسود صار في ذاكرة الشعب البحرانيّ رمزًا للغدر والدموع، يوم تحوّل فيه الاعتصام السلميّ إلى ميدان للقتل والوحشيّة؛ الخميس السابع عشر من فبراير/ شباط 2011، الذي بات يعرف بـ«الخميس الدامي» يوم أعلن فيه النظام الخليفيّ الحرب على شعب البحرين الأعزل.
لا يمكن للكلمات أن تصف هول ما جرى، ولا يمكن للدموع أن تغسل غيلان عناصر قوّات النظام حين داسوا بأقدامهم، ولوّنوا برصاصهم، زهوة الحياة في دوّار الشهداء، تلك الساحة التي أصبحت شاهدة على إرادة شعب رُسمت بدماء شهدائه الأبرار. «علي المؤمن، علي خضير، محمود أبو تاكي، والحاج عيسى عبد الحسن» إخوة في الدم، لم تفرّق قوّات النظام حين أطلقت الرصاص الحيّ والغازات السامة بينهم.
لقد تعاهد الشعب في دوّار الشهداء على المطالبة بالحقوق وسط هتافات الحريّة بصدور مفتوحة، بينما كان جواب النظام رصاص «الشوزن» المحرّم دوليًّا. تلك هي سمفونيّة العنف التي أراد بها النظام أن يصمّ آذان الحريّة، لكنّ فأله خاب، فكلّما زاد القهر قويت العزيمة، وكلّما كُبت صوت شهيدٍ صدحت مئات الأصوات خلفه.
الذكرى الرابعة عشرة لاشتباكات هذا اليوم المشؤوم توقّع بختم العار على جبين نظامٍ لم يتوانَ عن استباحة خصوصيّات شعبه وحقّه في حياة كريمة. دوّار الشهداء الشامخ بإرثه، الآن يبكي على ضمير العالم الغائب، على المنظّمات الإنسانيّة الصامتة، على قوانين يفترض بها أن تحمي الإنسان، ولكنّها تُعمى عن مشاهد الموت.
«الخميس الدامي» ليس إلّا فصلًا من فصول نضال أُمّة تريد أن تُسمع صوتها، وعلى الرغم من آلام الدمار والفقد، فإنّ إرادة الحياة تُبعث من جديد بين أنقاض الظلم. هذه هي البحرين التي تنبض بقلوب رجالها ونسائها وأطفالها، فكلّ قطرة دمٍ سالت على ثراها هي رمز للعزيمة، وسراجٌ يُضيء درب الحريّة والعدالة لأجيال قادمة.
اليوم، نقول للنظام الخليفيّ ولكلّ من توهّم أنّ القمع يُخمد الحقوق، أمسِكوا برصاصكم وغازاتكم، فلن يستطيع التاريخ أبدًا أن يُخفي جرائمكم ولن تستطيعوا أبدًا أن تقتلوا الحقيقة؛ فظلمكم سيُنبت الثورة التي ستنمو في كلّ زاوية، وستروى بكلّ حكاية حتى يعمّ العدل وتصان الكرامة.