في رحاب الأمس الذي لم يهمد بعد، نستذكر شخصيّة ذات بعد ثوريّ، وحضور ملهم، مناضل وهب حياته دفاعًا عن الحقّ ومقاومة للظلم؛ «الشيخ محمد علي العكري (رحمه الله)»، ذلك العالم المجاهد الذي لم تلِن عزيمته رغم قسوة القيود وظلام الزنازين.
وُلد الشيخ العكري عام 1941، نبت في تربة خصبة من الوعي والبصيرة، حيث الثقافة منهج حياة والمعرفة مصباح يهتدي به في ممرّات الحقّ المعتمة. لم يركن إلى السلامة ولم يهادن، بل كان شوكة في حلق النظام الخليفيّ الذي طالما رأى فيه تهديدًا لبنيانه القائم على الظلم والاستبداد.
رفع الشيخ العكري راية الحقّ، وصوته الجهوريّ كان صدى لآمال شعب يتوق إلى العدالة والحريّة. ومن هنا، أصبح الشيخ صرحًا يحتشد عنده المغاوير، وعلمًا يرفرف في سماء الآمال العريضة. سُجن عدّة مرّات، فكان لكلّ قضبانه أن تستشعر العجز أمام إرادته التي لا تلين وعقيدته التي لا تقبل القيد.
توفي الشيخ العكري في 24 ديسمبر/ كانون الأوّل 2010، لكنّ رحيله لم يكن نهاية مسيرة النضال، بل كان شرارة أُخرى أشعلت في قلوب الأحرار نارًا لا تنطفئ. قد يغيب الأبطال جسدًا، لكنّ أفعالهم تبقى نبراسًا يُستضاء به في أحلك اللحظات.
في ذكرى رحيل الشيخ العكري، نقول: إنّ الأرض التي طالما خطت عليها خطواته لم تزل صلبة، والهواء الذي حمل صدى صوته لم يزل يُسمع في الأرجاء. للشيخ العكري في قلب النضال وجود لا ينسى، وفي دفتر التاريخ سطور مضيئة بإرثه العظيم.
لهذا نستلهم من مسيرته العزيمة والشجاعة والإصرار على انتزاع حقوقٍ غصّ بها صدر الزمن، نستذكر دعواته الصادقة وتضحياته الجسام، فعطاؤه للوطن وإيمانه بقضيّته صارا منارة للأجيال الطامحة إلى بناء مستقبل يُزهر بالعدالة، ويُثمر حريّة وكرامة.
في ذكرى رحيله، نتوجّه بالدعاء أن يُتقبّل في عليين مع الصدّيقين والشهداء والصالحين، وأن يُلهمنا من عزيمته ما يحتاج إليه الوطن من جرأة وثبات، وأن يستمرَّ نضاله ليكون بذرة أمل تنبت في القلوب ثورةً على الظلم، ونهضةً في وجه الاستبداد.
في ذكرى رحيله، نجدّد العهد مع الحقّ ونستلهم دروس الحياة من سيرة المجاهدين، ونمضي قدمًا على درب الحريّة التي لا تقبل القسمة لاثنين؛ إمّا أن تكون كاملة، أو لا تكون.