يذكّرنا يوم الثالث والعشرين من ديسمبر/ كانون الأوّل بحكم جائر استهدف قادة هيئة الاتحاد الوطنيّ في البحرين، تلك الهيئة التي تأسّست في أكتوبر/تشرين الأول 1954 كأوّل حزب سياسيّ في الجزيرة والخليج العربيّ.
نشأت هذه الهيئة في ظلّ ظروف سياسيّة واجتماعيّة معقّدة، لتصبح منبرًا للدفاع عن حقوق الشعب ومواجهة سياسات التفرقة والفساد التي كان ينتهجها المستشار البريطانيّ «تشارلز بلغريف» وآل خليفة.
إنّ الحكم الذي صدر على قادتها لم يكن سوى شهادة على القمع والاستبداد الذي واجهته الهيئة في سبيل نضالها. لقد اعتُقل أمينها العام «عبد الرحمن الباكر»، وأعضاؤها «عبد العزيز الشملان، وعبد علي عليوات، وإبراهيم بن موسى، وإبراهيم فخرو» تحت مزاعم واتهامات خطرة؛ كمحاولة قتل الحاكم وإجراء تغييرات في الجهاز العسكريّ من خلال التعاون مع قوى خارجيّة؛ الحكم الذي صدر عليهم كان قاسيًا وغير منصف، مصدره قضاة من العائلة الحاكمة بدون توكيل لمحامين، ولم تكن المحاكمة إلّا مسرحيّة، كان الحكم فيها قد حُسم مسبقًا.
نُقل كلّ من «عبدِ الرحمن الباكر وعبدِ العزيز الشملان وعبدِ علي العليوات» إلى سجنِ جزيرةِ «سانت هيلانة» في المحيطِ الأطلسي ليقضُوا العقوبةَ هناك، بينما نُقل «إبراهيم موسى وإبراهيم فخرو» إلى سجن جدّة.
لكنّ الضجّة الدوليّة والاستنكار الذي أعقب الحكم أدّى في النهاية إلى إعادة محاكمة الزعماء الثلاثة المنقولين إلى سجن «سانت هيلانة»، وصدور حكم بالإفراج عنهم وصرف التعويضات الماليّة لهم عام 1960، فيما أكمل الزعيمان المسجونان في جزيرة جدّة مدّة السجن كاملة.
مهما حاولت السلطات القمعيّة أن تُسكت صوت الحريّة والعدالة، تبقى مثل هذه الأحكام دليلًا على خوفها وضعفها أمام إرادة الشعب وتوقه للعدل. قادة هيئة الاتحاد الوطنيّ ومحنتهم تشكّل نموذجًا للنضال البحرينيّ والعربيّ عبر التاريخ، وتُعلّمنا أنّ في قلب كلّ محنة تكمن فرصة للثورة والتغيير.
ما حكي عن هيئة الاتحاد الوطنيّ وقادتها يجب أن يُعدّ رسالة ثوريّة، تحكي قصّة كفاح لم تنتهِ ولن تنتهي حتى تُحقّق كلّ الشعوب حريّتها وتنال حقوقها. لن يُنسى الثالث والعشرون من ديسمبر على الرغم من أنّه يوم أسود في تاريخ البحرين، بل سيُذكر كتاريخ حيّ تتجدّد فيه الروح الثوريّة، مذكّرة كلّ طاغوت أنّ إرادة الشعوب لا تُقهر، وأنّ الحريّة ستنتصر في النهاية.