في مخيّلة الذاكرة الوطنيّة، تتجسّد صور شهداء كشموع تنير درب الحريّة والكفاح من أجل العدالة، ومن بينهم تبرز «قصّة علي أحمد رضي عبد الرسول القصاب» نموذجًا للتضحية والإيمان بالقضيّة.
شاب في الثانية والعشرين من عمره، أسمى بحياته معنى الاستشهاد في سبيل مبادئه، فأصبحت قصّته نبراسًا يهدي السائرين نحو العدل والمساواة في الليالي المظلمة. شهيدٌ من بلدة «أبو صيبع» استسلم للقدر في الخامس عشر من ديسمبر/ كانون الأوّل 2011، حاملاً على عاتقه آمالاً وطموحات قطعت فجأة، تاركًا وراءه إرثًا يُذكّر الأجيال بأنّ جوهر الوجود يكمن في النضال ضدّ الظلم، وفي البحث عن الحقيقة.
في ذلك اليوم المشؤوم، بينما كان عليّ يستقلّ سيّارة مع صديقه، بدأت مليشيات مدنيّة مسلّحة تلاحقهما بشكل متهوّر. في محاولة ميئوس منها للنجاة، خرج علي من السيّارة آملًا بالفرار عبر الجانب الآخر من الشارع. لكنّ الملاحقة العنيفة أدّت إلى حادث اصطدام مروّع تعرّض له علي، أسفر عن إصابات بالغة أودت بحياته في الحال. هذه الخاتمة المؤلمة لنا والمشرّفة للشهيد تُظهر الإجراءات القصوى التي يمكن أن تلجأ إليها الأنظمة الديكتاتوريّة القمعيّة ضدّ الأشخاص الذين يسعون للتعبير عن آرائهم والدفاع عن قيمهم بسلام.
وفي الوقت الذي نستذكر فيه قصّة علي، لا يمكننا إلّا أن نتأمّل في قوّة إيمانه بما كان يقاتل من أجله. استشهد علي، لكنّ روحه ومبادئه لا تزال موجودة، مستمرّة في إلهام الشباب وتزويدهم بالقوّة والعزيمة لمواصلة الكفاح. علي ذاك الذي عاش حرًّا ومات شهيدًا، متمسّكًا إلى آخر لحظة بمبادئ العدالة والمساواة، وثابتًا في مواجهة الظلم والاضطهاد، ترك وراءه إرثاً لن يُنسى، سرديّة تضاف إلى الملحمة الطويلة للنضال الإنسانيّ ضدّ القهر.
«علي أحمد القصاب» بات اليوم رمزًا للإصرار والتضحية في سبيل مبدأ أسمى من الحياة ذاتها. تُذكّرنا ذكرى استشهاده بأهميّة الاستمرار في الثورة والتمسّك بالمبادئ التي نؤمن بها، مهما كانت التحدّيات. استلهمنا من علي وشهداء كثر معنى النصر، وأنّه يبنى على الصمود والثبات، وأنّ الحريّة قيمة عظمى تستحق التضحية من أجلها.