وُلدت «ساجدة فيصل جواد»، في قلب البلاد القديم، على أرض احتضنت ذكريات الأجداد وصدى أصوات المقاومة، وُلدت كشهيدة محتّمة حتى قبل أن تتنفس الحياة بعمق.
في 11 ديسمبر/ كانون الأوّل من العام 2011، اختطف الموت روحًا لم تعرف من الدنيا إلّا ستّة أيّام. لكن، وعلى عكس ما قد يظنّ بعضهم، لم تكن هذه الأيام قصيرة على الإطلاق، فقد امتدّت بما تحمله من وجع وصدى في قلوب أبناء شعب بأكمله وعقولهم. لم يكن رحيل ساجدة حدثًا عاديًا، بل شعلة أيقظت أرواحًا وأعينًا كثيرة وأضاءتها.
ساجدة، رضيعة لم تتسنّّ لها الفرصة لترى جمال العالم أو تتلمّس قسوته، اغتيلت أحلامها قبل أن تأخذ فرصتها في الحياة. استشهادها لم يكن إلّا نتيجة همجيّة ممنهجة، حيث ألقت عصابات المرتزقة الغازات السامّة والقنابل المسيّلة للدموع على منزل والديها، ما تسبّب في تسميم هذه الروح البريئة وارتقائها شهيدة، تاركة وراءها جرحًا لن يندمل.
إنّ استشهاد «ساجدة فيصل جواد» مثال حيّ على الظلم الذي يحيق بالأبرياء في كلّ وقت وفي كلّ مكان. هو صرخة ثورة مدوّية ضدّ القمع والاستبداد، تذكيرٌ أنّ حتى أصغر الأرواح وأكثرها براءة قد تُقتلع من جذورها في لحظة غدر، لا لشيء إلّا لأنّها وُلدت في زمان الظلم ومكانه.
إنّ دماء ساجدة ودموع والديها وحزن من أحبوها ستظلّ الوقود الذي يغذي نيران الثورة والرفض والتحدّي. استشهادها ليس نهاية المطاف، بل بداية رحلة جديدة من النضال والصبر والعزيمة لأجل الحريّة، العدالة وحقّ الحياة.
نقف اليوم لنحيي ذكرى «ساجدة فيصل جواد»، شهيدة الظلم والبراءة، رمزًا للأمل والتحدي في وجه أشدّ ظروف الحياة قسوة. إنّها تذكّرنا بأنّ صوت العدالة لن يختفي مهما حاول الظلم أن يغطيه، وأنّ ضوء الحريّة يمكن أن يشع من أصغر الأرواح وأكثرها براءة.
في ذكراها، نجدّد العهد والوعد لساجدة ولكلّ شهيد ارتقى ظلمًا وعدوانًا، على أن نستمرّ في النضال والمطالبة بحقوقنا، وتحرير أراضينا وحماية أرواح الأبرياء.
رحم الله ساجدة وأسكنها فسيح جناته، ولتبقى ذكراها خالدة فينا، محفّزة لأرواحنا، ومنارة لطريق العدل والحريّة.