في اللحظات التي تتجمّد فيها الأحداث وتصبح سطور التاريخ، هناك قصص تبقى محفورة في ذاكرة الزمن، قصص للشجاعة والتضحية والأمل.
في سجلّ الشهادة، تبرز ذكرى استشهاد الشهيد البطل «علي يوسف بدّاح» الذي رسم بدمه ملامح الحريّة، وخلّد اسمه ضمن قائمة أبطال الوفاء للأرض والمبدأ.
الشهيد علي الذي صدح بصوت الحقّ والعدالة، كان زهرة نرجس تفتّحت في واديان بمنطقة سترة، عطرها ملأ أرجاء الأمل، ولم يبلغ من العمر إلّا ستة عشر ربيعًا حينما وضعت قدراته الثوريّة ثمارها في تاريخ الاستشهاد الأبديّ.
في الجفير، مسرح البطولات والتضحيات، خطّ الشهيد فصلًا غير مسبوق في تاريخ النضال الوطنيّ حينما ارتقى في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011.
علي لم يكن إلّا شهيدًا في صباح ذلك اليوم الذي شهد فعلًا من أفعال الجبروت، تعرّض خلاله لمطاردة شرسة، تلاها حادث دهس وحشي ومتعمّد بمركبة أمنيّة، كان علي مشاركًا في تظاهرة سلميّة شجاعة، لكن مركبات المرتزقة المنطلقة بسرعة جنونيّة لم تفرّق بين صغير وكبير، ما أدّى إلى إصابات مروّعة بين صفوف المتظاهرين، وكان لعليّ أشدّها وطأة، إذ تهشّمت أضلاعه تحت وطأة الجبروت وارتقى بين الجدار والمركبة الأمنيّة، في مشهد يعبّر عن قمّة الإجحاف والقساوة.
إنّ ذكرى «الشهيد علي بدّاح» ليست مجرّد تذكير بفقدان حياة ثمينة، بل هي شعلة لا تنطفئ تذكّر كلّ المناضلين بأنّ الثورة على الظلم والطغيان طريق لا رجعة عنه. استطاع علي، على الرغم من صغر سنّه، أن يؤكّد بدمه الطاهر أنّ عزيمة الشباب وغيرتهم على أرضهم وحريّتهم قادرة على إنعاش روح المقاومة وإلهام الأجيال؛ لقد أصبحت حكاية علي ملحمة ثوريّة تحكى بين الصفوف، تغرس في القلوب أملاً بفجر جديد يزهر بالحريّة والكرامة.
في تتبع مجريّات هذه الحكاية المشبّعة بالبسالة، اولتي شُكلت من دموع وأرواح لا تنكسر، نستقي من تضحيات «الشهيد علي بدّاح» دروسًا خالدة وإلهامًا لا ينضب. نجدّد العهد بأنّ درب الحريّة يُعبد بسخاء الأرواح النبيلة، وتُقدس ذكرى الشهداء كأنوار مُرشدة لأجيال الغد، مُعلنين بذلك أنّ روح الثورة تُخلّد فينا، وأنّ راية الكفاح تُرفرف عاليًا، ما دامت قلوبنا تنبض بتوق العدل وتسعى نحو أفق الحريّة.