في البحرين، أرض المدائن العتيقة والشاهدة على حضارات موغلة في القدم، تتردّد أصداء الاحتفال العالميّ بالمعلّم في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأوّل من كلّ عام، والذي أعلن للمرّة الأولى في العام 1994 ليكون عرفانًا بالجميل لمن حملوا لواء العلم والمعرفة، وذكرى أبديّة للتوصية المشتركة بين منظّمة العلم الدوليّة واليونسكو في العام 1966، والتي وقفت حجر زاوية في تاريخ المعلّمين حول العالم.
الاعتراف بجهود المعلّمين وضمان حقوقهم ليس مجرّد تكريمٍ وتأصيلٍ للقيم، بل هو تمسّك وإصرار على ما وُثّق في العهود والمواثيق الدوليّة، تأكيدًا لمبدأ أساسيّ: المعلّم أساس التنمية وهو من يصنع الأجيال.
تطلّ البحرين بمرآتها التاريخيّة، حيث بدأ في 14 فبراير/ شباط 2011 حراك ثورة اللؤلؤة التي كانت صرخة في وجه الظلم تطالب بحقّ تقرير المصير، وتواجه قسوة الاستجابات من نظام آل خليفة، ولا تزال.
الاعتراف بالتعليم كمحور رئيس وأداة للتغيير، قاد هذا النظام الديكتاتوريّ إلى استهداف المعلّمين بالاعتقال التعسفي والفصل من مراكزهم، وفقد أكثر من 100 معلّم ومعلّمة حريّتهم منذ العام 2011، أُفرج عن الكثيرين منهم لكن الظلم لا يزال يحتجز بعضًا منهم خلف القضبان على خلفيّة التهم ذات الطابع السياسيّ.
وكذلك، طال الفصل الوظيفي مئات آخرين من المدرّسين الذين اختاروا الإضراب عن العمل أثناء قانون الطوارئ في مارس/ آذار 2011، ولا تزال البطاقات التعريفيّة لبعضهم مجرّد شهادات على ما كان، فقد اغتُصبت منهم حقوقهم المهنيّة كنتيجة لنشاطهم السلميّ.
ليس فقط الاعتقال والفصل، بل إنّ حلّ جمعيّة المعلّمين في السادس من أبريل/ نيسان 2011 كان قلعًا لجذور التمثيل المدنيّ للكادر التربويّ، وقطعًا لألسنة كانت تتحدّث بصوت الحقّ.
ها هو شبح البطالة يطارد المؤهّلين في السلك التربويّ في البحرين، كوابيس العوز تظلّلهم، وذلك بسبب نهج آل خليفة في تفضيل الأيدي الوافدة على أبناء الوطن الأكفاء. يُجلب مدرّسون من الخارج وتُغلق الأبواب في وجه الكفاءات الوطنيّة، فتتحطّم آمال الشباب المؤهّل على صخرة التمييز والتهميش.
في اليوم العالميّ للمعلم، نقف في البحرين على تلك الصخور، معلنين رفضنا للظلم ومطالبين بالحريّة؛ الحريّة لمعلّمات ومعلّمين جعلوا من التعليم ثورة، ولم يجعلوا الثورة تهديدًا للتعليم.
نتوق ليومٍ يُكرّم فيه المعلّمون ليس لما يعلمون فقط، بل لكيف يبقون صامدين أمام تيّارات الاستبداد والديكتاتوريّة، مؤكّدين أنّ أقلامهم وأفكارهم هي أقوى أسلحتهم.
يا معلّمي البحرين، أنتم فوانيس الهدى في دروب الحريّة، وستزهر بساتينكم قريبًا بألوان العلم والعزّة، وستكونون شهودًا على فجر جديد، يعانق فيه التعليم سحاب الحريّة والكرامة، بلا قيود، بلا جدران، بلا أغلال.