شيخ الشهداء «علي النچاس»
تحتدّ قلوبنا وتتوهّج دماؤنا حين نروي سيرة شيخ الشهداء، ذلك العملاق الذي كانت قصّته أكثر من حكاية بل ثورة على مرّ العصور. «الشيخ علي النچاس» رمز النضال والتحدّي، كانت بداية حياته في العام 1950 معركةً بحدّ ذاتها، إذ وُلد كفيفًا ليضيء درب أمّته بنور العلم والإيمان.
– إرادة ضدّ الظلام
لا يُحدُّه الظلام ولم يَخبُ حزمه، فقد انتهك العقبات وتجاوز الحواجز. «الشيخ علي النچاس» الذي حُرم بصيص الضوء، تحلّى بإرادة لا تلين وعزم لا يَخمد، تماسكت أسرته على كفاحه اليوميّ وحضوره الذهنيّ الكبير الذي أهّله ليكون ملاذًا لهم.
– خطوات نحو التحفيظ
في «حلقات تحفيظ القرآن» كانت أولى خطواته يافعًا نحو ثورة معرفيّة، أن يحفظ القرآن ويلتهم الحكمة صفحةً صفحة. ملأ خلف المعلّم قلبه بالهدى وساقه نحو منابر الخطابة ليُنير عقول الجماهر بكلماته الملتهبة.
– إجادة فنّ الخطابة
لم يكتفِ «الشيخ علي النچاس» بالموروث، بل استلهم التجديد وكسر القوالب، كانت فطرته وعزيمته وحدها معلّمَه الأوحد نحو إجادة فنّ الخطابة التي لم تنل منها كبرياءه واستقلاليّته أبدًا.
– منبر المناضلين
من الحياة القاسية ودروس في جنبات بيت حسن السعيد، إلى مدرسة العلوم الإسلاميّة، تسلّح «الشيخ علي النچاس» بالعلم ليصبح منارةً يقتدي بها المناضلون وتلاميذ الهدى. خُطبه لم تكن مجرّد كلمات تلوى على لسان حالم بل هي صدى لروح ثائرة تقود الأمّة.
– سنوات الكفاح والإصلاح
توالت سنوات الكفاح حتى بات اسمه يُهتف في الأروقة، وامتزجت قوّته بقلوب تلاميذه الذين حملوا بصيرته في طريق الإصلاح والعزيمة.
– بناء حياة أسريّة
على الرغم من سجن الظلام لأبصاره، تمكّن «الشيخ علي النچاس» من بناء حياة أسريّة قوامها الحبّ والوفاء، فكان ربّ بيت عصاميًّا وأبًا معلّمًا لأولاده الذين تقاسمتهم به الأقدار بين الحريّة وقيود السجون.
– ثورة الأحلام التي لم تخبُ: «الشيخ علي النچاس» ومعركة الإرادات
في تسعينيّات القرن الماضي، وفي أعماق الصراع بين نبض الشعوب وجبروت السلطة، وقف «الشيخ علي النچاس» كرمز لتلك الإرادة الشعبيّة الصلبة، العطشى لاستعادة نبض الحياة الديمقراطيّة. أطلق صوته عاليًا، مجسّدًا في خطاباته الملتهبة تلك المطالب الملحّة التي راحت تتردّد في الأزقّة والساحات، داعيًا إلى إسدال الستار على غول قانون أمن الدولة الذي خنق أنفاس الحريّة. الشيخ الذي أصبح هدفًا لأنياب السلطة لم يستكن، بل استمرّ يبارزها بكلّ جرأة.
– معركة المواجهة والتحدي
شهد شتاء العام 1996 فصلًا جديدًا من فصول العداء بين النظام الأمنيّ القمعيّ والشيخ الشجاع، حيث داهمت قوّات أمن الدولة معقل «النچاس»، لتبدأ رحلة من التعذيب اختبر فيها الشيخ جبروتهم البشريّ، تحت وطأة التحقيقات والتعذيب الممنهج الذي لم يستثنِ حتى لحظات الألم الجسدي المفرط بسبب مرض الربو الذي يعاني منه. ورغم الظلم الفادح، فإنّ العدالة الزائفة التي مثل أمامها في محكمة أمن الدولة، حكمت عليه بسنة من الحبس، في محاكمة أعرضت عن الحقّ والعدل، محاكمة صمتت أصوات العدالة والإنسانيّة داخل أروقتها.
– الإرادة التي لا تنكسر
مع انقضاء سنته في أقبية سجن جوّ المظلم، لم تنكسر إرادة الشيخ علي؛ بل خرج مجدّدًا متحدّثًا بالروح الثوريّة نفسها، مستأنفًا رحلته في كشف زيف السلطة ومطالبًا بحقوق مستلبة. لكن النظرات الحادة لأجهزة أمن الدولة ظلت تطارده كظلّه حتى في الحريّة الموهومة التي كان يعيشها.
– شاهد على إرادة شعب لن تموت
لم يكن للهب الحريّة المشتعل في قلب الشيخ أن يطول؛ فبعد ثلاثة أشهر فقط من خروجه إلى نور الحريّة، أودع عنوة مرّة أخرى زنزانته، لتضيع حياته بين قضبان الاستبداد في 29 يونيو/ حزيران 1997، شاهدًا على إرادة شعب لن تموت وحلم لن يخبو أبدًا.
– شيخ الشهداء: شعلة الحريّة التي لا تنطفئ
اختتمت رحلة حياته داخل قبور السجون، ملصقًا بجبهته وسام الشهادة، ليعيش فينا «شيخ الشهداء» للأبد، رمزًا لانبلاج الحريّة وفجر العدالة التي لا تُغيب شمسها أبدًا.
– الإرث الخالد: أحلام العدالة والحريّة
من كلّ قطرة دماء سقطت من «الشيخ علي النچاس»، كان ينبت بذر الثورة والمقاومة، لتظلّ قصّته وحلمه بعالم يسوده العدل والحريّة مصدر إلهام للأجيال القادمة، حلمًا لم يمت مع رحيله، بل تجدّد في قلوب من يؤمنون بالحقّ والحريّة ونفوسهم.