مضت ثلاثة عشر عامًا دون ظهور بوادر تعافٍ منذ أن شهد اليوم الأوّل من يونيو/ حزيران عام 2011 اللحظات الأخيرة لحالة الطوارئ أو كما يسمّيها نظام آل خليفة «السلامة الوطنيّة»، ذلك الشعار الذي خبّأ وراءه هذا النظام أهدافًا غير معلنة.
ثلاثة أشهر امتدّت من مارس/ آذار في العام 2011 حتى يونيو/ حزيران منه، لبست البحرين ثوب المقاومة، ثوب الكفاح ضدّ الظلم الذي فرضه الطاغية «حمد الخليفة» عبر إعلان حالة «الطوارئ» التي أراد بها أن يخنق أصوات الحقّ والحريّة. في ذلك اليوم، اختار النظام الخليفيّ سلوك درب الاستبداد بإعلانه هذا الذي رافقته إجراءات «بوليسيّة» قاهرة: من استقدام جيوش الاحتلال السعوديّة والإماراتيّة إلى الأراضي البحرينيّة، ونشر عصابات المرتزقة بكثافة في البلدات وبين البيوت لتبثّ الرعب في نفوس الأهالي عبر الاقتحامات الهمجيّة، إلى اعتقال المواطنين وتعذيبهم، وفصل آخرين وقطع أرزاقهم، إلى التهديد العلنيّ والسريّ وغيرها من صور القمع. واللافت أيضًا كان مقدار السرقات من البيوت التي اقتحمها مرتزقة النظام، فإضافة إلى تخريبها وتكسير محتوياتها، وسرقة أجهزة الحاسوب والتلفونات وحتى عدد من السيارات، وثّقت سرقة مبالغ ضخمة وصلت إلى ملايين الدولارات بحسب تقارير لجمعيّات معارضة وكذلك تقرير بسيوني «تقصّي الحقائق»، فأزيل القناع الزائف الذي كان يخفي النظام الخليفيّ ظلمه للشعب وراءه، وظهر وجهه الحقيقيّ للعلن.
الأوّل من يونيو/ حزيران عام 2011 أُعلن «ظاهرًا» عن إنهاء هذه الحالة الاستثنائيّة، لكنّ تبعاتها تواصلت وآثارها حفرت عميقًا في وجدان الشعب البحرانيّ وذاكرته، ولا سيّما أنّها ظلّت تطبّق تحت مسمّيات أخرى.
اليوم، بعد ثلاثة عشر عامًا، تبقى الذاكرة الوطنيّة شاهدة على هذه الأحداث؛ الشعب في البحرين يستذكر تلك الأيّام ليس بروح الضحيّة، بل بروح الثائر الذي يصرّ على استكمال مسيرته نحو الحريّة والعدالة. إنّه إصرار على أنّ الروح الثوريّة التي اشتعلت في البحرين لن تخبو، وأنّ السعي نحو تقرير مصير الشعب والعيش في دولة تسودها مبادئ الديمقراطيّة والحريّة لن يتوقّف حتى تحقيق كلّ الأهداف.
لا شكّ في أنّ مرور ثلاثة عشر عامًا على ذلك الحدث الجلل لم يكن بالأمر الهيّن. فالثمن الذي دفعه الشعب كان باهظًا، لكنّه في المقابل خلق جيلًا يعي قيمة الحريّة وأهميّة الحقّ في العيش بكرامة، جيلًا لا يخشى في الحقّ لومة لائم. إنّ الذاكرة الوطنيّة ليست مجرّد سرد للأحداث، بل هي ترسيخ للهويّة الوطنيّة التي تقوم على المقاومة والثورة.
المسيرة طويلة، والطريق شاق، ولكنّ الإرادة الحرّة لا تُهزم. الشعب في البحرين، بكلّ فئاته وطوائفه، يثبت يومًا بعد يوم أنّ الظلم مهما طال أمده سينتهي. كلّ خطوة نحو الحريّة والعدالة، مهما كانت صغيرة، هي انتصار في حدّ ذاتها.
ما تشهده البحرين اليوم هو ثورة مستمرّة في القلوب قبل أن تكون على الأرض، ثورة على الظلم وسعي دؤوب نحو غد مشرق ينعم فيه كلّ مواطن بالحريّة والكرامة.