قالت مديرة تحرير مجلّة بقيّة الله الباحثة الإسلاميّة «الأستاذة نهى عبد الله» إنّ يوم القدس العالميّ هو يوم إحياء الإسلام، فالإمام الخمينيّ «قده» عدّ يوم القدس يومًا للإسلام لأنّ الإسلام بالأساس هو دين عالميّ إنسانيّ شامل لكلّ زمان ومكان، وهو دين يُحيي قيم الإنسان، وقضيّة القدس هي من أهمّ قضايا الإسلام.
وأوضحت في كلمتها خلال مهرجان القدس النسويّ الخطابيّ الحادي عشر الذي أقامته الهيئة النسائيّة في ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير يوم الأحد 21 أبريل/ نيسان الجاري تحت عنوان «طوفان الأحرار» أنّ من أهمّ أهداف الإسلام وغاياته التي أرسل من أجلها تحقيق العدالة التي هي قيمة إنسانيّة شاملة للجميع، وهي مطلب أساسيّ في حياة الإنسان.
وأضافت أنّ قضيّة القدس تحقّق هذه الغاية وتكشف القيم الإنسانيّة، حيث نجحت في كشف الأقنعة، فاليوم حرب غزّة والعدوان الشرس الذي شنّه العدوّ الصهيونيّ على القطاع كشف العديد من الأقنعة، فهذا العدوّ كان يحظى بدعم غير مسبوق منذ احتلاله فلسطين، ومع بدء العدوان على غزّة تغيّرت هذه المواقف الداعمة، إذ إنّ هذا العصر هو عصر الإعلام المسموع، فالصورة تصل، والصوت يصل، والمجازر التي حصلت كانت تصل، ورسائل الأطفال كانت تصل وصرخاتهم أيضًا كانت تصل إلى هذا العالم الذي ظهر منه وجهًا آخر، كشفته «إسرائيل» بنفسها، وذلك بشراستها في هذه الحرب.
ولفتت عبد الله إلى إحصائيّات تؤكّد تدنّي مستوى الدعم العالميّ للكيان الصهيونيّ في أمريكا وأوروبا، وذلك على مستوى الشعوب والمنظّمات أقلّه، ففي أمريكا المعروف عن شعبها أنّه صديق للكيان كشف استطلاع أجرته «مؤسّسة كالو» أنّ آراء الأمريكيّين تجاه «إسرائيل» ساءت خلال العام الماضي وسط الحرب الدائرة في قطاع غزّة منذ الخريف الماضي. وأظهر الاستطلاع أنّ الأمريكيّين الذين ينظرون لـ«إسرائيل» بشكل إيجابيّ تراجعت نسبتهم إلى 58% مقارنة بالعام الماضي حيث كانت نسبة الداعمين 68%، مع الإشارة إلى جزء من الشعب الأمريكيّ يملك الجنسيّة «الإسرائيليّة»، وهذا يعدّ أدنى تصنيف إيجابيّ، ولا سيّما أنّ هذا الاستطلاع شمل فئة الشباب المؤثرة حيث وجد أنّ نسبة التأييد لإسرائيل بين الأشخاص الذين تتراوح أعمالهم بين 18 عامًا و34 عامًا وصلت إلى 38% فقط، ومن تتراوح أعمارهم بين 35 عامًا و54 عامًا تراجعت من 66% إلى 55%، هذا مع مؤشّر على أنّ نسبة 52% من الشعب الأمريكيّ يرى أنّ حرب الكيان على حماس في فلسطين تمثّل تهديدًا خطرًا على المصالح الحيويّة للولايات المتحدة بل لا يوجد مصلحة لبلادهم فيها، وهو ما قد يشكّل ضغطًا شعبيًّا على الإدارة الأمريكيّة التي بدورها لا بدّ من أن تضغط على الكيان.
وأكّدت الأستاذة نهى أنّ المشهد الأوروبيّ لا يختلف كثيرًا عن المشهد الأمريكيّ، فنتيجة للرسائل التي وصلت من غزّة فقد تغيّرت نظرة العديد من الدول الأوروبيّة إلى «إسرائيل» بعد هذه الحرب الشرسة، إذ تقول صحيفة فايننشال تايمز البريطانيّة إنّها رصدت تغييرًا في الرأي العام الغربيّ، خاصة في أوروبا، حيث إنّ سفك الدماء في غزّة دفع بالشعوب إلى الشوارع للاحتجاج وبعثر المجتمع الدوليّ وتباينت الآراء وتشعّبت، واستقطبت وجهات النظر، خاصة مع سيطرة المشاهد المروّعة من الحرب على الأخبار وشبكات التواصل العالمي.
وعزّت هذا التغيّر في الموقف الغربيّ، ونهضة الشعوب واحتجاجها في الشوارع ودفاعها عن شعب فلسطين، وحتى بين البرلمانيّين والنوّاب والحقوقيّين الذين باتوا اليوم يتحدّثون عن المجاعة الموجودة، ويتحدثون عن التهديدات التي ستحصل في المستقبل، إلى العدوان الشرس الذي يقوم به الكيان الصهيوني ضدّ شعب أعزل، فغالبيّة الشهداء هم من النساء والأطفال، والعالم، يرى ذلك، إذًا العالم يتّجه فعلًا نحو العدالة ويتعاطف مع هذه القضيّة في حسّ من العدالة والإنصاف الإنسانيّ، لذلك قضيّة القدس هي قضيّة إسلاميّة وإنسانيّة تكشف هذا الزيف والغطرسة الموجودة، ولكن قد يُسأل هل ما يجري في غزّة من مشاهد قاسية: قتل بالآلاف، ومجاعة، ودمار، وعدوّ شرس يحمل آلة حربيّة، وسلاح شامل أمام مجموعة مسلّحة مدافعة مقاومة، لكنّها بسيطة، عدد قليل مقابل هذا العدو، يتنافى مع عدالة الله سبحانه وتعالى ورحمته؟ فشعب فلسطين المظلوم المستضعف يرزح منذ عقود طويلة تحت هذا الظلام والظلم والقسوة، والله سبحانه وتعالى عادل في حكمه.
الجواب ببساطة أنّ هذا أثر الشهادة، فالتغيير لا يحصل في الكون وفي المجتمعات إلّا بحس كبير من الإيثار والتضحية، وما يحصل في فلسطين أنّ الشهادة هي التي ستغيّر العالم، والكثير من التضحيات وهي ثقافة يحملها أبناء القدس وغزّة الذين يؤكّدون أنّهم سيصبرون ويدافعون عن قضيّتهم ولن يتهاونوا في ذلك، وهذا يلمس أثره بأعداد كبيرة من الناس الذين بدأوا فعلًا بتغيير آرائهم حول فلسطين.
وتابعت عبد الله، نعم، إنّ الشهداء ببذلهم الدماء هم الذين يحدثون هذا التغيير، ويكشفون قناع المتغطرسين والمستكبرين، هم الذين يحيون الإسلام، وهذا ما كان يقصده الإمام الخميني بالدعوة إلى إحياء يوم القدس العالميّ، مضيفة «علينا أن نذكّر بقضيّة القدس لأنّها تذكّر بالإسلام، وهي التي سوف تغيّر مشهدًا كبيرًا في هذا العالم، وهي قادرة على ذلك وأبناؤها قادرون على ذلك».
ووجّهت الأستاذة نهى عبد الله في ختام كلمتها الشكر إلى جميع المجاهدين والمضحّين في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن، والبحرين التي يواجه شعبها غطرسة السلطة الجائرة المطبّعة مع الكيان الصهيونيّ، وهو على الرغم من ذلك يحمل الكثير من ظلال قضيّة القدس في جراحه وتضحياته، وفق تعبيرها.