في زمن تتلاطم فيه الأحداث، وتتحدّى الأرواح قسوة الواقع بشجاعة وجَلد، يبرُزُ اسمٌ لامعٌ في سجلّ الشرف البحراني هو «صلاح عباس حبيب أحمد موسى»، شهيد ضحّى بحياته من أجل مبادئه وقيمه، رافعًا راية العدالة والحريّة.
وُلِد الشهيد القائد الميدانيّ صلاح عباس في 15 فبراير/ شباط 1976، وترعرع في أحضان «البلاد القديم»، حيث نشأ مفعمًا بحبّ الوطن والإخلاص لترابه. كان له أسرة كبيرة تتكوّن من خمسة أولاد «ابنتين وثلاثة أبناء» وكان، مثلما كان في ساحة النضال، قائدًا ومعيلًا لهم.
بدأت رحلة جهاد صلاح منذ صباه، حيث انخرط في الحركة المطلبيّة خلال التسعينيّات، وكانت شجاعته في مواجهة الاضطهاد الأمنيّ محطّ أنظار جميع من حوله. لم يكن غريبًا على شخص بمثل عنفوانه وحيويّته أن يقع ضحيّة للاعتقالات المتكرّرة بسبب نشاطه الميدانيّ، حيث تراوحت مُدد سجنه بين أسبوع وأكثر من سنتين، تعرّض خلالها للتعذيب الشديد كسرت في إحدى المرّات بسببه إحدى رجليه، في إثبات حيّ على تضحيته وإيمانه بقضيّته.
كانت مشاركته في ثورة الرابع عشر من فبراير 2011 تتويجًا لمسيرته النضاليّة، حيث كان قائدًا ميدانيًّا فعّالًا ومنظّمًا للفعاليّات السلميّة الهادفة إلى نيل حقّ تقرير المصير. تعرّض خلال ذلك للإصابة مرّات عدّة، لكن ذلك لم يُثنِ عزمه أو يقلّل من شجاعته، بل كان دومًا في الصفوف الأولى ينشد الحريّة والعدالة لموطنه.
لم تكن نهاية مسيرته إلّا تأكيدًا لشجاعته وإيمانه بقضيّته العادلة؛ ففي 20 أبريل 2012، امتدّت أيادي قوّات البطش الخليفيّة لتنفّذ بدم بارد مؤامرة الغدر بحقّ قائد ثوريّ، متستّرة بجرم تكميم الأصوات الحرّة التي ترفض الذلّ والاستبداد. كان «صلاح عباس» بشجاعته المعهودة يومئذ في طليعة صفوف المناضلين السلميّين الذين احتجّوا على إقامة «سباق الفورمولا 1» على أرض جريحة ما فتئت تنزف من استبداد حكم آل خليفة.
القائد الميدانيّ صلاح، القلب النابض للحراك الشعبيّ، ذاك الذي ألهب بصوته حماس الجماهير، دافعًا المظاهرة بأكملها إلى الأمام، لم يدع لقمع المرتزقة مجالًا للنيل من إرادة الثوّار، فحاولوا، بكلّ عزيمة، الزحف نحو دوّار الشهداء، معلنين عزمهم على مواصلة المسار حتى تحقيق مطالبهم بالحريّة والكرامة.
لم يدم الزحف طويلًا حتى كان صلاح ورفاقه في مواجهة طاحنة مع القوّات المسعورة التي لا تحترم سلامة الإنسان، وقد انتهت المطاردة في مزرعة بعد أن تخلّلت جسد صلاح رصاصات الغدر. على الرغم من أنّ تفاصيل تلك اللحظات الأخيرة لا تزال غامضة، فإنّ العالم أدرك الوحشيّة التي تعاملت بها القوّات مع روح شابة رفرفت على أحلام الحريّة.
إنّ قصة حياة «الشهيد القائد الميدانيّ صلاح عباس» شاهدة على أنّ الكلمات والأفعال الملهمة يمكن أن تترك أثرًا طويل الأمد في قلوب الناس وأذهانهم، فاستشهاده لم يكن نهاية المطاف لذكراه أو أفكاره، بل كان بداية لإلهام العديد من الجيل الجديد في البحرين وخارجها. سيظلّ «صلاح عباس حبيب أحمد موسى» رمزًا للنضال من أجل العدالة والحريّة، وتتويجًا للشجاعة والتضحية التي لا تزال تحرّك قلوب الناس نحو التغيير والحلم بغدٍ أفضل.