بسم الله الرحمن الرحيم
شهدت البحرين حدثًا خاصًّا عشيّة عيد الفطر المبارك مع الإفراج عن عدد كبيرٍ من السّجناء السّياسيّين في إطار خطوةٍ منفردة من الكيان الخليفيّ، وإذ يهنئ المجلسُ السّياسيّ في ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير الأحرارَ المفرَج عنهم وأهاليهم الصّابرين، ويؤكّد حقّهم الطّبيعيّ في الحريّة غير المشروطة؛ فهو يرى أنّ هذه الخطوة جاءت بفضلٍ من الله تعالى وصبر الأمّهات الصّابرات ودعائهنّ، وببركةِ ثبات السّجناء السّياسيّين والقادة الرّهائن وصمودهم الأسطوريّ، حيث أمضوا سنواتٍ طويلة من المعاناةِ والتّعذيب الجسديّ والنّفسيّ، ونظّموا سلسلة من الاحتجاجات والإضرابات التي ستُسجّل بفخر واعتزازٍ في التّاريخ النّضاليّ، كما قدّموا كوكبة عزيزةً من الشّهداء المظلومين داخل السّجون، وآخرهم «الشّهيد حسين خليل الرامي» الذي كان آخر صرخةٍ مدوّيةٍ على هذه المعاناة الطّويلة.
إضافة إلى ذلك، فإنّ «إفراجات العيد» جاءت في إطار تطوّرات خطرةٍ على المستوى الإقليميّ مع اشتداد المواجهة مع الكيان الصّهيونيّ وحلفه الأمريكيّ الشّيطانيّ.
وفي هذا السّياق، يسجّل المجلسُ السّياسيّ الوقفات الآتية:
1- نؤكّد أنّ الإفراجات الأخيرة لم تكن خارج المنظومةِ الأمنيّة التي شيّدها الكيانُ الخليفيّ في السّنوات الأخيرة بالتّعاون مع البريطانيّين والأمريكيّين، وخصوصًا في إطار تبريد ملف السّجناء السّياسيّين، بعد أن بات عبئًا كبيرًا على الخليفيّين، ولا سيما مع إصرار السّجناء والقادة الرّهائن على عدم التّنازل، وثباتهم على حقوق الشّعب الكاملة. إنّنا نضع «قانون العقوبات البديلة» و«نظام السّجون المفتوحة» وما شابه في دائرةِ هذه المنظومة التي يُراد منها التخلّص من الضّغوط الحقوقيّة والميدانيّة الناتجة عن تفجّر أوضاع السّجون واحتجاجات الأهالي، ومحاولة لاختطاف أبرز الملفات ذات الصّلة بالواقع الحقوقيّ والاجتماعيّ وبالبيئة الشّعبيّة الحاضنة للثّورة. وعلى هذا النّحو؛ فإنّنا لا نعدّ الإفراجات خطوة مفاجئة بذاتها، رغم أنّها كانت مختلفة عن سابقاتها من حيث الأعداد وطبيعتها، لكنّها لم تنطوِ على أيّ جديدٍ ينبئ عن تغيّر هويّةِ الكيان الخليفيّ وخططه الخبيثة في محاربةِ الشّعب وحقوقه في الحريّة والسّيادة.
2- نشدّد على أنّ الإفراجات هي خطوة جزئيّة ومنقوصة، وهي صدرت من الكيان الخليفيّ تحت وقْع الضّغوط المحليّة والخارجيّة، ونشير في هذا الصّدد إلى المخاطر الجديّة التي تحيط بالخليفيّين جرّاء انخراطهم الكامل في المحور الصّهيونيّ- الأمريكيّ، والذي أدّى إلى استياء شعبيّ قابل للانفجار على نطاق واسع، إضافة إلى توريطهم بلادنا في دائرة المواجهة عبر تحويل البحرين إلى وكْرٍ للتجسّس الصّهيونيّ وقاعدة عسكريّة وأمنيّة لتنفيذ العمليات المعادية للشّعوب وللمقاومة ومحورها الشّريف، وهو ما يجعل الكيان الخليفيّ هدفًا مشروعًا في إطار مواجهة العدوان الصّهيونيّ وتحالفه الشّرير، وقد تأكّد ذلك مع رسائل التّحذير التي أوصلتها الجمهوريّة الإسلاميّة إلى دول الجوار في سياق تأكيد حقّها القانونيّ في الرّد على استهداف قنصليّتها في دمشق واستشهاد قادة من الحرس الثّوريّ، وهو ما يفسّر إقدام النظام الخليفيّ على الإفراجات قبيل تنفيذ عمليّة «الوعد الصّادق» المباركة ضدّ الكيان الصّّهيونيّ، مستغلًا مناسبة العيد وما أسماه باليوبيل الفضيّ لاستلام الطّاغية حمد الحكم غير الشّرعي للبلاد.
3- على المستوى العمليّ، أفشلَ السّجناءُ الأحرارُ المفرَج عنهم الأهدافَ التي بيّتها الكيانُ الخليفيّ، واستطاعوا أن يكوّنوا تحالفًا جديدًا مع أهالي بقيّة السّجناء والنّاشطين، وحوّلوا حدثَ الإفراجات إلى مشهد متجدّدٍ من الاحتجاج والمطالبةِ بالحقوق، وبمستوى أحبطَ مخططَ الاحتواء والتّدجين الذي كان يأمله النّظامُ من وراء الإفراجات ومن كذبةِ توفير الوظائف للمفرَج عنهم. لقد بدأ هذا المشهدُ مع أول وهلة لخروج السّجناء وهم يهتفون باسم فلسطين والموت لأمريكا و«إسرائيل»، مسجّلين دفعة أخرى من الصّمود والعنفوان وقبل أن يلتقوا بأهاليهم وأحبّتهم، وبعدها سجّلوا صوتهم الجريء تضامنًا مع بقيّة الأسرى وقادة الثّورة، وانضمّوا لحشود الاعتصامات في الشّوارع وأمام المراكز الأمنيّة، وبما شكّلَ الانعطافة المهمّة التي عمّقت مأزق النّظام وزادت من وضعه المأزوم داخليًّا وخارجيًّا، ما ستترتّبُ عليه تداعياتٌ واسعة في المرحلة المقبلة.
4- لقد أسّس المشهد البطوليّ للمفرَج عنهم وأهالي السّجناء والنّشطاء داخل البلاد لوقائع مهمّة ينبغي للجميع وضعها في الحسبان، وأوّل ذلك هو انكسار حلم النّظام في اختطاف ملف السّجناء وتحويله إلى أداة للابتزاز والتّرهيب، وكذلك ثبات عدم جدوى «قانون العقوبات البديلة» في كسْر إرادة السّجناء وفي تفكيك علاقتهم مع الثّورة ومطالبها الحقّة.
والأمر الثّاني هو محوريّة ملف قادةِ الثّورة الرّهائن، وأنّهم الأساسُ في أيّ معالجةٍ سياسيّة أو حقوقيّة للوضع في البلاد، وأيّ تجاوز لهذا الملف سيرتدّ على النّظام بالخيبةِ وسوء العاقبة. وأخيرًا، تبيّن اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى أنّ الوعي الشّعبيّ العام تجاوزَ كلّ السّياسات والخُطط المكشوفة، فشعبنا الوفيّ يتحلّى ببصيرةٍ وإرادةٍ وحكمةٍ قادرةٍ على تحويل التّحدّيات إلى فرصٍ ذهبيّة وإلى مفاجآتٍ كبيرة تصيبُ النّظام وأعوانه بالإرباك والفشل. وكلّ ذلك ينتظر من قوى المعارضة مواقفَ مدروسة لإكمال المعادلةِ وإسقاط كيانِ الاستبداد والفساد في البلاد.
5- أخيرًا، وبناء على ما سبق؛ فإنّنا نرى أنّ نضالَ شعبنا العزيز ضدّ الطّاغية حمد دخلَ مرحلةً جديدةً، فالحراكُ الشّعبيّ المتصاعد، وثورة السّجون المتّقدة، والتّداعيات المتواصلة لعمليّة «طوفان الأقصى» العظيمة، والرّد الإيرانيّ المبارك «الوعد الصادق» في عُمق الكيان الصّهيونيّ؛ هي معطيات غير مسبوقة على كلّ المستويات، وبما يُعادِل الموقف الخيانيّ غير المسبوق لآل خليفة وتطابقهم الكامل مع المشروع الصّهيونيّ الأمريكيّ. نشير إلى اقتراب موعد القمّة العربيّة وانعقادها في البحرين (مايو/ أيّار)، وما تلقّاه الخليفيّون من نصائح سعوديّةٍ وأمريكيّة لتهدئةِ الوضْع العام قبلها، وهو ما يعزّز الموقف الحذر من الإفراجات الأخيرة، وضرورة الاستمرار في الحراك الشّعبيّ الحكيم، والمبادرة لطرح برنامج سياسيّ وميدانيّ ضاغط ومتواصل حتّى ينال الشعب حقّه في تقرير المصير وإقامة دولة دستوريّة كريمة وعادلة.
المجلس السّياسي – ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير
البحرين المحتلّة
الإثنين 15 أبريل/ نيسان 2024م