استذكر رئيس المكتب السياسيّ لحركة حماس «إسماعيل هنيّة» الإمام الراحل الخميني، قائلًا: «إنّ الإمام جعل القدس ركنًا من أركان الثورة والمقاومة، وغاية سامية متجدّدة للأمّة الإسلاميّة المجيدة، ونادى بيوم القدس، لتنهض الأمّة بواجبها وتوحّد قواها، لتحرير القدس والأقصى من براثن الاحتلال الصهيونيّ الغاصب».
ووجّه بكلمته في الاحتفال الجماهيريّ «منبر القدس» الذي أقامته اللجنة الدوليّة لإحياء يوم القدس، يوم الأربعاء 3 أبريل/ نيسان 2024، في قاعة رسالات في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، التحيّة لأبناء الأمّة الإسلاميّة الذين اجتمعوا لإحياء يوم القدس، مباركًا لهم مشاركتهم الواسعة، ولا سيّما مع ما تعيشه القدس من لحظة تاريخيّة بعثت فيها معركة طوفان الأقصى المباركة الأمل بأنّ تحرير القدس وتطهيرها من الغزاة المحتلّين حتميّة تاريخيّة، وآية قرآنيّة، وعهد الرجال مع الله سبحانه.
وقال هنيّة إنّ العدوّ الصهيونيّ حاول خلال الأعوام الأخيرة أن يحسم الصراع على أرض فلسطين، من بوابة القدس والأقصى، فجاءته المقاومة من جبهة غزّة بطوفان الأقصى، الذي شكّل ضربة استراتيجيّة أعادت فيه الصراع إلى طبيعته، وأزالت كلّ الأقنعة عن الوجوه المتخفية بالسلام الزائف، وأظهرت بوضوح حقيقة الكيان الصهيونيّ العدواني الاستئصالي وجرائمه التي يندى لها جبين الإنسانيّة، فالعالم يرى «جرائم الاحتلال اليوم في غزّة والضفّة، والقدس، التي يتعداها إلى استهداف شعب فلسطين وشعوب الأمّة في المنطقة خارج فلسطين، متحدّيًا كل القوانين، والأعراف الدوليّة والإنسانيّة».
وبعث مدير المكتب السياسيّ لحماسخمس رسائل للشعب الفلسطينيّ والأمّة العربيّة والإسلاميّة ومواكب المقاومين وأحرار العالم:
أوّلًا: رسالة إلى الشعب الفلسطينيّ، وخاصّة أهالي قطاع غزّة، قال فيها: «منذ أكثر من 100 عام، وشعبنا يقدّم أغلى التضحيات في سبيل نيل حرّيته وإزالة الاحتلال الصهيونيّ عن أرضه. فقد قدّم، وما زال قوافل ومواكب الشهداء، وأفنى الآلاف من شعبنا سنوات طويلة من أعمارهم في سجون الاحتلال. وعانى أهلنا الحصار والدمار والجدار والنزوح واللجوء، وكلّ أصناف الإجرام الصهيونيّ، واليوم غزّة تقدّم صفحة مجيدة من صفحات الأمّة، وعنفوان جهادها ومقاومتها التي لا تستكين، مهما بلغت وحشيّة الاحتلال وإرهابه والمجازر اليوميّة، وحرب الإبادة الجماعيّة التي تُرتكب، لكنّ المقاومة تواصل الثبات في الميدان، وتقاوم العدوّ في كلّ محاور القتال في معركة خالدة تؤكّد أنّها عصيّة على الاقتلاع. ومستمرّة في القيام بواجبها، في الدفاع عن شعبها».
وهنّأ فلسطين بشعبها وأمّتها، معتبرًا أنّ شعبًا بمقدار تضحيات الشعب الفلسطينيّ وبطولاته وكرامته وعزّته وصموده ومقاومته، لهو أعزّ ما تملكه فلسطين، معاهدًا إيّاها بأن تكون حركات المقاومة فيها مؤتمنة على تضحيات هذا الشعب وتطلّعاته بالحريّة واستعادة أرضه وحقوقه، مؤكدًا أنّ قيادة المقاومة تقف في مقدّمة الصفوف، لتشكّل النموذج والقدوة في تقديم الشهداء والصبر والجهد الدؤوب، حتى يأذن الله بنصره والعودة وقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس.
وأكّد هنيّة أنّ كلّ الأوهام والأساطير التي صنعها العدوّ الصهيونيّ لنفسه، ولجيشه وقدرته قد سقطت في هذه المعركة، حيث خرجت نخبته، وكثير من حلفائه للحديث عن الأزمة الوجوديّة التي يواجهها، موضحًا أنّ توحّش العدوّ الصهيونيّ اليوم كان نتيجة إدراكه عدم قدرته على البقاء ككيان غاصب ومحتلّ، في مواجهة الشعب الفلسطينيّ الثائر، الذي يأبى فكرة الاستسلام والتنازل عن فلسطين، رغم كلّ محاولات التطبيع التي جرفها «طوفان الأقصى».
ثانيًا: رسالة إلى الأمّة العربيّة والإسلاميّة، قال فيها: «إنّ العدوان الصهيونيّ على شعبنا ومقدّساتنا لم يكن ليستمر ويصل إلى هذه الدرجة من الوحشية، لولا الغطاء الأمريكي الآثم، بل والمشاركة الأمريكيّة المباشرة والفعليّة بجرائم العدوان على شعب فلسطين، عبر تزويد الاحتلال الصهيونيّ بآلاف الأطنان من الأسلحة الفتاكة والقنابل والصواريخ والطائرات، ودعمه بعشرات المليارات والموقف المنحاز الظالم والـ”فيتو” المستمر في مجلس الأمن على مدى أيام الحرب».
ودعا هنيّة شعوب الأمّة إلى جبهة جماهيريّة شعبيّة، تقف في وجه جبهة الاحتلال ومن معه، وتضع حدًّا لهذا العدوان وتسند معركة التحرير التي يخوضها الشعب الفلسطينيّ اليوم في كلّ ساحات الوطن، وقال إنّ «أبطال غزّة وفلسطين كسروا حاجز الخوف. وحطّموا الرهبة الزائفة من هذا الاحتلال، وقدّموا النموذج الملهم للبطولة والتضحية والفداء، ونحن أمام فرصة تاريخيّة لإلحاق هزيمة مدوية بالمشروع الصهيونيّ وحلفائه».
ثالثًا: رسالته إلى «قوى المقاومة في الأمّة» قال فيها: «لقد وحّدت هذه المعركة المباركة صفوف أبناء الأمة. وتجلّى أعظم مشهد لهذه الوحدة في وحدة الساحات والجبهات من فلسطين إلى لبنان في اليمن والعراق. بدعم وإسناد من الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران»، موجّهًا التحيّة إلى قوى المقاومة المشاركة في القتال المباشر إلى جانب المقاومة الفلسطينية.
وندّد هنيّة بالجريمة التي ارتكبها العدو الصهيونيّ على أرض سوريا أخيرًا، وأدّت إلى استشهاد كوكبة من قادة فيلق القدس في الحرس الثوري للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، مع ارتقاء عدد من أبناء سوريا.
رابعًا: رسالته إلى أحرار العالم، قال فيها «لقد أحيا طوفان الأقصى فلسطين في قلوب ملايين الأحرار حول العالم. فكانت فعاليّاتكم أيّها الأحرار تثلج صدورنا، وتخفّف عن شعبنا آلام الخذلان والعدوان، لقد أعطيتم الأمل بأنّ الضمير الإنسانيّ العالميّ ما زال حيًا، ويرفض الظلم والعنصريّة».
وأشاد هنيّة بما قامت به دولة جنوب أفريقيا من دور رائد في رفع الدعوة القانونيّة في لاهاي، وبدء محاكمة قادة هذا الكيان على فاشيّتهم وجرائمهم التي يرتكبونها في غزّة. وتحقيق العدالة في هؤلاء القتلة الذين لطالما تمّ التغطية على ما يرتكبونه من مجازر وفظائع على مرّ التاريخ، مطالبًا برفض أيّ غطاء أو مظلّة للاحتلال كي يكون «تحت سيف العدالة والقانون الدوليّ والقانون الدوليّ الإنسانيّ».
وبارك مواصلة التفاعل والتضامن مع أهل غزة في مختلف دول العالم، داعيًا إلى تصعيد الفعاليّات وتكثيفها والضغط على حكومات البلاد لتنحاز إلى جانب الحقّ الفلسطينيّ.
خامسًا وأخيرًا، تحدّث هنية بشأن مفاوضات وقف العدوان على غزّة، حيث أكّد أنّ الاحتلال الصهيونيّ لا يزال يراوغ ويتعنّت ولا يستجيب لمطالب حماس العادلة من أجل وقف الحرب والعدوان، وأنّ حكومة الاحتلال مصرّة على استمرار هذا العدوان. وإنّما يهم نتنياهو ومن معه هو البقاء على كرسي الحكم لأطول مدّة ممكنة.
وشدّد مدير المكتب السياسي لحركة حماس على أنّهم متمسكّون بمطالبهم المتمثلة بالوقف الدائم لإطلاق النار، والانسحاب الشامل من قطاع غزّة، والعودة الكاملة للنازحين إلى أماكن سكنهم، وإدخال كلّ المساعدات اللازمة لأهل غزّة، وإعمار القطاع، ورفع الحصار، وإبرام صفقة أسرى مشرفة، وذلك على طريق إنجاز حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه ومقدساته.
ووجّه هنية في نهاية كلمته تحيّة تقدير إلى شعب فلسطين في غزّة والقدس والضفة الغربيّة والأراضي الفلسطينيّة المحتلة عن 48، وفي اللجوء والمنافي، وفي سجون الاحتلال، وللمقاومين الذين مرغوا أنف الاحتلال، وسطروا ملاحم البطولة، وأيضًا لجبهات محور المقاومة المشتعلة على طول خط المواجهة مع العدو، ولشعوب الأمّة العربيّة والإسلاميّة الهادرة المحتشدة المتواصلة الموحدة مع فلسطين ومع غزّة الأبيّة، ولكلّ أحرار العالم في كلّ مكان.