قال الأمين العام لحزب الله «سماحة السيّد حسن نصر الله» إنّ معركة طوفان الأقصى هزّت أسس كيان الاحتلال الصهيونيّ وزلزلتها وضربت جبروته، مؤكّدًا أنّ حكومته لن تتمكّن من ترميم آثار الزلازل التي تعرّض لها.
جاء ذلك في كلمة سماحته في الاحتفال الجماهيريّ «منبر القدس» الذي تُقيمه اللجنة الدوليّة لإحياء يوم القدس، وذلك يوم الأربعاء 3 أبريل/ نيسان 2024، في قاعة رسالات في الضاحية الجنوبيّة لبيروت.
وتوجّه السيّد نصر الله بالشكر إلى كلّ المشاركين من مختلف الأماكن ومختلف العواصم في فعاليّات هذا اللقاء السنوي، على إسهامهم ومشاركتهم وحضورهم وتحمّلهم للمسؤوليّة أيضًا في هذا الزمن الصعب تجاه القضيّة الأهم والأكبر والأخطر في التاريخ المعاصر بالحد الأدنى.
وقال إنّ يوم القدس هذا العام يأتي مختلفًا كثيرًا عن أيّام القدس في السنوات الماضية، وذلك ببركات طوفان الأقصى ونتائجه التي كان منها إطلاق «طوفان الأحرار»، وهو الشعار الذي اعتمد ليوم القدس العالمي في هذه السنة، وهو شعار صحيح، وما يجري اليوم في فلسطين والمنطقة وفي العالم هو طوفان بكلّ ما للكلمة من معنى.
وحيّا سماحته ما قامت به المقاومة في غزّة بكلّ فصائلها وتشكيلاتها، وأعرب عن تقديره لإبداعها ومبادراتها وشجاعتها وإقدامها، وأيضًا لنجاحها وتحقيقها الإنجازات، ثم بعد ذلك الذي حصل في 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2024 لثباتها وصمودها وقتالها الأسطوري أمام أحد أقوى جيوش المنطقة على الإطلاق.
وتوجّه السيّد نصر الله بالتقدير والتعظيم والإجلال لصمود أهل غزة وشعبها، بنسائها ورجالها وأطفالها، وكبارها وصغارها لثباتهم وصبرهم وتحمّلهم وصدقهم وهم يواجهون القتل العشوائي على مدى ستة أشهر من المجازر والتهجير والتجويع، وكذلك لتضحيات أهل الضفة الغربيّة والقدس المحتلة وخصوصًا في الضفة، حيث هناك أكثر من 7000 معتقل يتعرضون للاعتقال وللقتل وللسجون وللمداهمات، وهناك معارك تجري في مدن الضفة في كلّ يوم وفي كلّ ليلة، وفق تعبيره.
وأشاد كذلك بجبهات الإسناد المقاتلة المباشرة في لبنان واليمن والعراق، قائلًا «فهذه الجبهات التي تتحمّل اليوم وتقدّم التضحيات وتنجز، ولكنّها أيضًا تتحمّل التهديدات والضغوط، والأهمّ أنّها تواصل العمل ولا تُخلي الساحة»، وشكر «جبهات الدعم والاحتضان في الجمهورية الإسلاميّة في إيران التي تتعرّض للكثير من التهديدات والضغوط، وتتحمل مسؤوليّات ما تقوم به المقاومة سواء في غزّة أو في الضفة أو في لبنان أو في اليمن أو في العراق، ومع ذلك فإنّها ثابتة بقيادتها وبموقفها الداعم والواضح والحاسم، إلى جانب القضيّة الفلسطينيّة وحركات المقاومة في المنطقة.
وأوضح سماحته أنّ سوريا لا تتعرّض فقط للتهديد والضغوط، بل للعدوان اليوميّ أو شبه اليومي وللقصف والقتل والتدمير وتقدّم شهداء والجرحى، سواء من ضبّاط وجنود الجيش السوري أو القوّات الصديقة والحليفة الموجودة هناك، ومن جملتها مجاهدي المقاومة الإسلاميّة في لبنان والمستشارين الإيرانيّين، وغيرهم، وكلّ هذا لم يعدّل أو يبدّل في موقف سوريا الحاضن والداعم والمساند لكلّ حركات المقاومة في المنطقة.
ورأى أنّ يجب الوقوف أمام حركة الجماهير الشريفة في الكثير من بلدان العالم، حتى داخل أمريكا وبريطانيا والغرب، وهذا ما يجب أن يُبني عليه وأن يُقدم، ويجب أن يُخصّ هنا بالتحيّة أهل اليمن وشعب اليمن الذين يحضرون بالملايين ولم يكلوا ولم يملوا من التظاهر والاحتشاد.
ولفت السيّد نصر الله إلى أنّه يكاد يمضي ستة أشهر والحرب قائمة ومستمرّة، فالعدو «الإسرائيليّ» لا يصغي لا إلى قرارات وقف إطلاق نار صادرة عن مجلس الأمن الدولي، ولا إلى مناشدات كلّ دول العالم أو الأغلبيّة الساحقة من دول العالم ولا يهتم للقوانين ولا لمجتمع دولي ولا لقيم، وهو ماضٍ في إجرامه وتوحّشه.
وشدّد على أهميّة العمل لتوفير كلّ عناصر القوة التي تمكّن معركة طوفان الأقصى من تحقيق أهدافها، وهذه مسؤوليّة الجميع، ومن التحدّيات المهمّة والتي ترتبط مباشرة بإحياء يوم القدس، وتبيّن النتائج الاستراتيجية المهمة التي حققها «طوفان الأقصى» في فلسطين وفي غزّة، وفي جبهات المقاومة، وخصوصًا ما يرتبط بالخسائر الاستراتيجيّة للكيان الصهيونيّ والمشروع الأمريكيّ في المنطقة، ومستقبل وجود هذا الكيان في المنطقة.
ولفت إلى أنّ بعض المثبطين في المنطقة وفي العالم العربي والإسلامي وبعض المنافقين يركزون على حجم التضحيات ويتجاهلون حجم الإنجازات، أو يسفهونها خدمةً للعدو ولتثبيط عزائم المقاومين والمجاهدين، وكلّ الشعوب والبيئات الحاضنة والمؤمنة بخيار المقاومة، مشدّدًا على أن تعمل كلّ المنابر ووسائل الإعلام التي تؤيد هذا المسار المقاوم على شرح هذا الأمر وتبيينه وتوضيحه وبكلّ الأساليب المتوفرة، و«إلا فهم يسعون ويعملون ليحوّلوا صورة الإنجازات التاريخيّة للمقاومة اليوم إلى صورة هزيمة للمقاومة وانتصار للعدو من خلال التزييف والتشويه وقلب الحقائق».
وأكّد السيّد نصر الله أنّ لطوفان الأقصى وطوفان الأحرار تضحيات جسامًا، ولكن هناك أيضًا نتائج عظيمة وبركات كبيرة ومسؤوليّة الجميع أوّلًا كشف هذه النتائج وهذه الإنجازات العظيمة، وخصوصًا الاستراتيجيّة منها وتحديدها وعدّها وتبيينها للناس بكلّ الوسائل وفي كلّ المناسبات.
وقال سماحته إنّ تحرير جنوب لبنان عام 2000، باستثناء المزارع وتلال كفرشوبا، وبعد ذلك، تحرير قطاع غزّة من الاحتلال، قد أنهى مشاريع كبرى ومنها مشروع «إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات»؛ لأنّ هذا الكيان الذي لا يستطيع أن يبقى في جنوب لبنان، كما لا يستطيع أن يبقى في قطاع غزّة، لن يستطيع أن يمدد حدوده من جديد، وقد انتهى مشروع إسرائيل الكبرى، ومن بعده الشرق الأوسط الجديد الذي عمل عليه الأمريكيّون على أن يكون نقطة الارتكاز فيه الكيان الصهيونيّ، ويكون هو القوة العظمى إقليميًّا.
وأكّد السيّد نصر الله أنّ ما حقّقه طوفان الأقصى بالدرجة الأولى على أكثر من صعيد أمنيّ وسياسيّ واجتماعيّ واقتصاديّ وعسكريّ ونفسيّ ومعنويّ، أنه هزّ أسس هذا الكيان وزلزلها وأسس هذا المشروع وضرب أطراف «إسرائيل» وجبروتها، ما سيترك آثار كارثية ومهمة وخطرة، ولن تتمكن حكومة العدو ولا الأحزاب السياسية في هذا الكيان من ترميم آثار هذه الزلازل والهزات التي تعرّض لها هذا الكيان، موضحًا أنّه عندما تقف الحرب سوف تظهر هذه النتائج جليّة لكلّ العالم، لكن المهم هو العمل للخروج جميعًا من هذه المعركة منتصرين، ثابتين، شامخين، وموفقين، وإلحاق الهزيمة بالعدوّ وكلّ من يقف خلفه.
وختم السيّد نصر الله كلمته قائلًا: «طوفان الأقصى بنى على كلّ إنجازات المقاومة خلال العقود الماضية وعلى كلّ الجهود التي قامت بها حركات المقاومة وقادة المقاومة ومحور المقاومة، وخصوصًا الشهداء الكبار، والأعزّاء في هذه المقاومة من كلّ البلدان وفي مقدمهم العزيز الأخ الشهيد القائد الكبير الحاج قاسم سليماني، وما أُنجز على المستوى الاستراتيجي يجب أن يبنى عليه ويؤسّس عليه لاستكمال هذا الإنجاز باتجاه الهدف النهائي، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون أيام القدس الآتية المقبلة، هي التي تجمعنا جميعًا في القدس إن شاء الله»