مقال: فجر الثورة يبزغ من جديد على وقع شعار «بناء دائم وصبر مقاوم»
يظلّ تاريخ 14 فبراير/ شباط في البحرين وسام شرف وعزّ لشعب البحرين، ففي مثل هذا اليوم عام 2011 انتفض بكلّ أطيافه، سنّة وشيعة، نساء ورجالًا، كبارًا وصغارًا، من النويدرات إلى باقي المناطق للمطالبة بحقوقه.
انتفاضة شعبيّة اعادت إلى أذهان آل خليفة ذكريات انتفاضة الكرامة «التسعينيّات»، فأقدموا على قمع التظاهرات استباقيًا برصاص الشوزن المحرّم دوليًّا؛ ما أدّى إلى ارتقاء أوّل شهيد بالثورة «الشاب علي مشيمع» من بلدة الديه.
غلت الدماء غضبًا في عروق المشيّعين للشهيد فواجهوا بكلّ شجاعة عنجهيّة عصابات المرتزقة ليرتقي الشهيد الثاني للثورة أثناء هذه المواجهات «فاضل المتروك»، فما كان من المشيّعين إلّا أن واصلوا مسيرهم إلى دوّار الشهداء «اللؤلؤة».
احتضنهم دوّار الشهداء باعتصام سلميّ كان من أرقى نماذج اعتصامات الشعوب المطالبة بحقوقها.
آنذاك رفع البحرانيّون شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، بعد أن صادر نظام آل خليفة كلّ حقوقهم، وجعل رأس هرمه «حمد الخليفة» رئيس السلطات الثلاث، واستحكم على مقدرات البلاد وسرق مع قبيلته خيراتها وثرواتها، فلم يجد الشعب بدًّا إلّا أن يثور بوجه كلّ هذه الانتهاكات والقمع المتعمّد ويطالب بحقوقه المنهوبة، بما تضمنه له الدساتير الدوليّة والأعراف الإنسانيّة.
واصل الشعب فعاليّاته «السلميّة» في الدوّار ليومين، بينما كان النظام يبيّت نيّة الغدر والإجرام، ففجر الخميس 17 فبراير/ شباط 2011 هجمت قوّاته المدجّجة بالسلاح على الدوّار، مقتحمة إيّاه بالرصاص والشوزن وبكلّ الأساليب الهمجيّة لتفريق المعتصمين الذين كان جلّهم نيامًا، فارتقى عدد من الشهداء وعشرات الجرحى.
لم يُثنِ هذا الهجوم الشعب عن مواصلة ثورته التي تحوّلت إلى تظاهرات غضب لدماء الشهداء، وأخذ شعار «من بعد الخميس أنهينا الكلام الشعب يريد إسقاط النظام» يرتفع من حناجرهم، وهنا ثبّتت الثورة أقدامها؛ لا تراجع حتى تحقيق أهدافها وفي مقدّمتها تقرير المصير، وهو شعار رفعه ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير وتبنّاه في «ميثاق اللؤلؤ»، ثمّ خصّص له سلسة من الفعاليّات المركزيّة.
بدأ النظام يسعى إلى تغيير استراتيجيّة تصدّيه للثورة، عبر اللعب على وتر طأفنتها مجيّشًا لذلك منابره الإعلاميّة وأبواقه وأقلامه المأجورة، لكنّه فشل في إخمادها وكاد عرشه يتهاوى، فلم يجد سبيلًا لمنع سقوطه غير الاستنجاد بالاحتلال السعوديّ الإماراتيّ، وهي خطوة قد تكون الأولى من نوعها في العالم أن يستعين نظام حاكم بقوّات أجنبيّة لقمع الشعب وقتل أبنائه.
دخلت الثورة مع الاحتلال منحى ثانيًا أكثر خطورة، فالجيش السعوديّ بعقليّته التكفيريّة الإرهابيّة دمّر مساجد الشيعة، ولاحق أبناء الشعب وقتل العديد منهم، وأشرف على كلّ أساليب النظام الخليفيّ الوحشيّة لقمع الشعب من اعتقالات وتعذيب، تهجير وملاحقة، طرد من الوظائف، إسقاط الجنسيّة، والرهان كان على إطفاء وهج هذه الثورة، لكنّه فشل!
لم يكن التدخّل السعوديّ مجانًا للنظام الخليفيّ فقد أدّى به إلى الولاء المطلق للنظام السعوديّ، يديره كيفما يشاء ويجرّه إلى حروب وتحالفات تأخذ البحرين إلى الهاوية (دخوله مرتين في تحالفات ضدّ اليمن).
لم يكتف النظام الخليفيّ بذلك بل عزّز الوجود الأمريكيّ والبريطانيّ في المنطقة عبر توسيع قواعدهما في البحرين، وما لبث أن كشف آخر أوراقه حين تحالف مع الصهاينة ضدّ فلسطين، وهو ما أعاد إلى الواجهة مجدّدًا أحقيّة مطلب «إسقاط هذا النظام ورأس هرمه حمد».
تهجّر الآلاف من أبناء البحرين، واعتقل الآلاف وارتقى مئات الشهداء ومنع الحراك الشعبيّ، وتكالبت على الشعب السلميّ أعتى قوى الاستكبار، ومرّت الثورة طيلة 13 عامًا بحالات مدّ وجزر لكنّها بقيت صامدة، فروح النضال متأصّلة بشعب البحرين، واليوم غالبيّة من يقودون الحراك والتظاهرات شبّان كانوا أطفالًا حين اندلعت ثورة 14 فبراير، لكنّهم تربّوا على أصالتها وثبات مبادئها التي تقوم على حفظ تضحيات الشهداء وعوائلهم، والرموز القادة والمعتقلين السياسيّين، والمهجّرين والجرحى، فأبوا إلى أن يواصلوا المسير.
ثورة تأسّست على «بناء دائم» وتستمرّ «بصبر مقاوم» منذ أكثر من 13 عامًا لا بدّ من أن تنتصر.