قال خطيب صلاة الجمعة «سماحة الشّيخ محمّد صنقور» إنّ مشروع ما يُسمَّى بالديانة الإبراهيميَّة هو مشروع سياسيٌّ مغلَّف في مراحلِه الأولى بصبغة ثقافيّة واجتماعيَّة، وهو معتمَدٌ من قِبَلِ مؤسساتٍ دوليَّة ويحظى برعاية فائقة من قبل دوائر القرار في عددٍ من الدول النافذة، ويهدف في ظاهره إلى تعزيز قيم السلام والتسامح ونبذِ العنف والتطرُّف، بينما يهدف في جوهره إلى دمج الكيان الصهيونيّ اجتماعيًّا وثقافيًّا في المجتمعات والشعوب العربيَّة والإسلاميَّة على أنْ ينتهي ذلك إلى تمكينه وتمكين القيم الغربيَّة من الهيمنة الاجتماعيَّة والقيميَّة والثقافيَّة المُفضية بطبيعة الحال إلى الهيمنةِ السياسيَّة والاقتصاديَّة.
وأضاف سماحته في خطبة صلاة الجمعة المركزيّة في «جامع الإمام الصّادق (ع)» في الدراز غرب العاصمة المنامة، يوم الجمعة 1 ديسمبر/ كانون الأوّل 2023 أنّ خلاصة ما يُراد إنجازه من هذا المشروع قبل الوصول إلى الغايات والأهداف من تدشينه هو ما يُعبَّرُ عنه بصهرِ الدياناتِ الثلاث في دينٍ واحد يحمل اسم الدين الإبراهيمي وتكون أركانُه القيمَ والعقائدَ والمقدَّساتِ المشتركة بين هذه الديانات على أن يتمَّ إلغاءُ القيمِ والعقائدِ والمقدَّساتِ المُختَلف عليها بين الديانات الثلاث.
ولفت إلى أنّ الدين يلغي الإيمان بنبوَّة النبيِّ محمد (ص) لأنَّه من المُختلَفِ بين الأديان الثلاث وكذلك يتعيَّن إلغاء الإيمان بعيسى المسيح (ع) لأنَّ اليهود لا تُؤمنُ به فهو من المُختلَف بحسب تعبيرهم، وبهذا يكون النبيُّ الذي يحظى بإقرار الدين الجديد هو النبيُّ موسى (ع) وذلك لأنَّه من المُشترَك، وسيكون إبراهيم (ع) هو الشخصيَّة المحوريَّة لهذا الدين الجديد وذلك لأنَّه الجذع الشائع – بحسب تعبيرهم – للديانات الثلاث بمعنى أنَّه الجذر الذي تنحدرُ عنه رموز الديانات الثلاث وبهذا سوف يُستَعاضُ عن الهويات الدينية الثلاث بهويةٍ واحدة هي الهويَّة الإبراهيميَّة، مؤكّدًا خطورة هذا المشروع بما يكفي لاستشعار الحرص على اليقظةِ والمحاذرة.
وذكر سماحته الأدوات التي سوف تُعتمد لبلورة الدين الإبراهيمي الجديد ومنها اختيار عددٍ وازن من رجال الدين المتنوّرين من مُختلف الديانات الثلاث ومن الفرق الداخلية للديانات الثلاث كالشيعة والسنة من الدين الإسلامي والكاثوليك والبروستانت من المسيحية وكذلك من الفرق اليهوديَّة ويُضَمُّ إلى هؤلاء المُعبَّر عنهم بالقادة الروحيين عددٌ موازٍ من الساسة والدبلوماسيّين، ويكون لمجموع هؤلاء صفة شبه رسميَّة ضمن مؤسسة تابعة لدوائر القرار، ويكون دورُهم إعادة القراءة للنصوص الدينيَّة المقدَّسة وهي القرآن المجيد والكتاب المقدَّس بعهديه القديم والجديد لاستخلاص المُشترَك من هذه النصوص وتأويل ما يُمكنُ تأويلُه بنظرهم لجعله مُشتركاً والتوافق على إلغاء المُختلَف ثم صياغة المُشترك في ميثاقٍ يتمُّ التباني عليه وإعطاؤه بعد البناء عليه صفةَ القداسة، ونزع القداسة بعد ذلك عن النصوص الأصلية ثم يُرفعُ هذا الميثاق لدوائر القرار لإقراره وتمهيد الرأي العام لقبوله.
وأوضح خطيب الجمعة أنّ هذا المشروع ينصّ على الدور المحوري للقادة الروحيين المتنورين ليس لبلورة المشروع والمساهمة في إعادة القراءة للنصوص المقدَّسة وحسب بل لترويجِه والتمهيدِ لقبوله، ولأنَّ هذا المشروع تكتنفُه الكثير من العقبات والعوائق تمَّ التأسيس لمشروعٍ رديف يُمهِّد لقبول المشروع بصيغته الأولى، هذا المشروع يحتفظ بأسماء الديانات الثلاث ولكن تحت عنوانٍ مستحدَث هو الديانات الإبراهيميَّة، ويأخذُ هذا المشروعُ الرديف على عاتقه التقريبَ بين الديانات الثلاث اجتماعيًّا وثقافيًّا، وذلك من طريق عددٍ من الوسائل منها ما يعبَّر عنه بمجمعات الأديان، ومنها تكوين مؤسّسات رسميّة وأهليَّة حول العالم تضمُّ كلُّ مؤسسة رجالَ دينٍ وشخصيات ثفافية وسياسية من الديانات الثلاث، ويُعبَّر عن هذه المؤسسات بمثل أُسَر السلام أو الأُسَر الإبراهيميَّة أو أي تسمية تقربُ من هذا المعنى، وتعمل هذه المؤسسات على تفعيل أجندات هذا المشروع وأهدافه بواسطة عقد المؤتمرات والندوات والاحتفالات وتنظيم الرحلات السياحية لما يعبَّر عنه بالمسار الإبراهيمي والتعاون مع الجامعات ومراكز البحوث حول العالم وتوظيفِ المناهج التعليمية والإعلام لهذا الغرض، ويتمُّ في ذاتِ الوقت العملُ على تعميق الصراعات المذهبيَّة وإثارتُها بمختلف الوسائل وكذلك تعميقها بين أصحاب الديانات وذلك للإثبات العملي أنَّه لا طريقَ لمعالجة هذه الصراعات إلا باعتماد المُشترَك الإبراهيمي .