مرّة جديدة أثبت المعتقلون السياسيّون في سجون النظام أنّهم معادلة وطنيّة لا يمكن تجاوزها وركيزة أساسيّة من ركائز ثورة 14 فبراير المجيدة.
لم يكن إضراب «لنا حقّ» الأوّل طيلة هذه السنوات، فقد سبقه عدّة إضرابات جماعيّة، لكنّه نجح في أن يكون المعادلة الأصعب؛ إذ لم ينفع مع المضربين لا قمع ولا تهديد ولا حتى مفاوضات خاوية، بل أصرّوا على أن تتحقّق مطالبهم كاملة مع استعدادهم لاستئنافه مجدّدًا في حال أخلف النظام بوعوده، وهو ما اعتاده منه شعب البحرين.
مركز الأخبار ينشر تقريرًا مختصرًا شاملًا أهمّ محطّات الإضراب من انطلاقته إلى تعليقه «حتّى إشعار آخر».
دخل مئات المعتقلين السياسيّين في سجن جوّ (نحو 400 معتقل) إضرابًا عن الطعام تحت شعار «لنا حقّ»، معلنين ذلك في بيان للّجنة المنسّقة للإضراب يوم الإثنين 7 أغسطس/ آب 2023، وذلك بسبب تعنّت إدارة السجن في رفض مطالبهم الإنسانيّة ومنعهم من حقوقهم المعترف بها دوليًّا.
ذكرت اللجنة في بيانها الأوّل أنّ من أسباب الإضراب احتجاج المعتقلين على القرارات الجائرة من إدارة السجن، مثل العزل الظالم لعدد من الأسرى، وفي مقّدمتهم «الـ16 معتقلًا المعزولون منذ أكثر من عام»، وسلبهم الكثير من حقوقهم، منها حريّة إحياء الشعائر الدينيّة، وأيضًا أوقات العزل الطويلة لأسباب تافهة، إضافة إلى البرنامج اليوميّ الخانق الذي يُبقي الأسرى ثلاثة وعشرين ساعة يوميًّا داخل الزنزانة فيما يُصار إلى إخراجهم ساعة واحدة في اليوم يقضون فيها جميع احتياجاتهم من اتصال ونشر الملابس والرياضة والتشمّس، وكذلك منعهم من صلاة الجماعة في مصلّى المبنى، وأيضًا نظام الزيارات الظالم بحاجزه الزجاجي وتقليص وقتها وعددها، ومنع الأخوال والأعمام وحتى أبناء الأخ والأخت من الزيارة، وحرمان المعتقلين من التعليم والرعاية الصحيّة.
وفي هذا اليوم صدر عن المجلس السياسيّ في ائتلاف 14 فبراير موقفه الأسبوعيّ بعنوان: «نتضامن مع «الحركة الأسيرة» في البحرين وإضرابها المفتوح عن الطعام وندعو إلى حراك واسع لانتزاع مطالب الأسرى المحقّة».
بدأت من اليوم الثاني حالات الإغماء بين صفوف المعتقلين المضربين عن الطعام الذين أخذ عددهم يزداد، رافق ذلك بيانات صادرة من داخل السجن لمعتقلي البلدات أكّدوا فيها استمرارهم بهذا الإضراب حتى تحقيق مطالبهم، وحراك شعبيّ تضامنيّ، كما نُظّمت تظاهرات مركزيّة عدّة شارك فيها المئات من المواطنين في الداخل، وفعاليّات متنوّعة في الخارج.
في مقابل ذلك بدأت مؤسّسات النظام تصدر بياناتها الزائفة لنفي الأسباب الحقيقيّة للإضراب ومن بينها «الوطنيّة لحقوق الإنسان وأمانة التظلّمات»، بينما أولت منظّمات حقوقيّة دوليّة عدّة اهتمامًا بالإضراب، ووجّهت على إثره الانتقادات الواسعة للنظام وسجلّه الحقوقيّ الأسود، فنجح في لفت انتباه وسائل إعلام عالميّة.
في اليوم السادس للإضراب، أي 10 أغسطس/ آب كان التفاوض المباشر الأوّل مع المعتقلين حيث أرسل النظام وفدًا منه (3 ضبّاط من الداخليّة)، مقدّمًا الوعود الفارغة لكسب الوقت ومحاولة لوقف الإضراب.
وانطلقت مساء هذا اليوم حملة تغريد على منصّة «X» تضامنًا مع المعتقلين على وسمَي: «#لنا_حق و #اطلقوا_سجناء_البحرين».
في 11 أغسطس/ آب نُقل الحقوقيّ «عبد الهادي الخواجة» إلى المستشفى العسكري نتيجة اضطرابات في دقّات قلبه بسبب إضرابه عن الطعام.
في 14 أغسطس/ آب أعرب الرمز «الأستاذ حسن مشيمع» في اتصال عن كامل تضامنه مع سجناء الرأي في معركة الأمعاء الخاوية.
في 15 أغسطس/ آب دعا سماحة الفقيه القائد آية الله الشيخ عيسى قاسم إلى وجوب مساندة المعتقلين المضربين عن الطعام، كما أصدر الرموز القادة المعتقلون بيانًا تضامنيًّا معهم.
وأعلن في هذا اليوم المعتقلون في مبنى 6 التحاقهم بالمضربين عن الطعام في المباني 7 و8 و9 و10.
في 17 أغسطس/ آب أقدم عدد من المعارضين البحرانيّين على الاعتصام والإضراب عن الطعام أمام سفارة البحرين في لندن، لمدة 24 ساعة، في رسالة تضامن وإعلاء صوت الحقّ والمظلوميّة التي يعيشها المعتقلون.
في 18 أغسطس/ آب وجّهت 14 منظّمة حقوقيّة رسالة إلى وزير الخارجيّة البريطانيّ حول الإضراب.
وطالب خطيب صلاة الجمعة «سماحة الشّيخ محمّد صنقور» النظام بإنهاء معاناة المعتقلين السّياسيّين المضربين عن الطّعام، والإفراج عنهم جميعًا انطلاقًا من الجانب الإنسانيّ.
وفي هذا اليوم لبّى مئات المواطنين دعوة اللجنة المنسّقة لإضراب «لنا حقّ» إلى التظاهر من إشارات الدّيه إلى مجمع الهاشمي على شارع البديّع، وقد خُتمت هذه التظاهرة الحاشدة باعتصام غاضب تضامنًا مع المعتقلين السياسيّين القابعين في سجون النظام.
في 19 أغسطس/ آب أصدر ائتلاف 14 فبراير تعليقًا صحفيًّا حول آخر مستجدّات إضراب المعتقلين السياسيّين بعنوان: «شعب حيٌ صامدٌ وسجناء أحرار.. معادلة التحرّر».
في 20 أغسطس/ آب وصل عدد المعتقلين المضربين عن الطعام إلى 743 معتقلًا وفق إحصائيّة لمعهد البحرين للحقوق والديمقراطيّة (بيرد).
في 21 أغسطس/ آب وجّه الرمز «الدكتور عبد الجليل السنكيس» رسالة تضامن إلى المعتقلين المضربين عن الطعام.
وصدر عن المجلس السياسيّ في ائتلاف 14 فبراير موقفه الأسبوعي بعنوان: «نحيّي الحراك الشّعبي والثّوري في البحرين ونجاح انتفاضة “لنا حقّ” في تقديم نموذج فريدٍ على مستوى العالم».
في 24 أغسطس/ آب 2023 دعا سماحة العلّامة الغريفي خلال حديث الجمعة في جامع «الإمام الصادق (ع)» في «منطقة القفول» بالعاصمة المنامة، إلى معالجة ملفّ شكاوى المعتقلين السياسيّين.
مع دخول الإضراب أسبوعه الثالث وصل عدد المعتقلين إلى 761 ثمّ بلغ خلال يومين 774 معتقلًا.
في ليل 25-26 أغسطس/ آب قام فريق من «مفوضيّة حقوق السجناء والمحتجزين» بزيارة «غير معلنة» إلى سجن جوّ للاطّلاع على ما يجري، حيث ذكرت الوكالة الرسميّة للنظام «بنا» أنّ الفريق قابل عيّنة عشوائيّة من المعتقلين «بشكل مستقلّ» لضمان الخصوصيّة، وتمّ تدوين ما طرحوه بخصوص آليّة التعامل معهم، والرعاية الصحيّة التي يتلقاها المضربون عن الطعام، «زاعمة» أنّ أيًّا منهم لم يذكر تعرّضهم لأيّ نوع من سوء المعاملة، وأنّهم أكّدوا توافر الرعاية الصحيّة بشكل مكثّف لكنّ بعضهم رفض الخضوع للعلاج أو الإشراف الطبيّ، كما أفادوا بمواصلة حصولهم على كافة الحقوق الأخرى المتعلقة بالبرنامج اليوميّ المعتاد، بالإضافة الى استمرار استفادتهم من البرامج المختلفة بما فيها العقوبات البديلة والسجون المفتوحة تبعًا للأنظمة واللوائح المعمول بها في السجن رغم إعلانهم المشاركة في الإضراب، وفق زعمها، محاولة إخفاء تفاصيل اللقاء التي كشفها مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطيّة «السيّد أحمد الوداعي» حيث ذكر أنّ اللقاء حصل عند «السّاعة الواحدة والنصف فجرًا»، ولمدّة ساعة ونصف، بحضور مدير السّجن «هشام الزيانيّ» الذي كان موجودًا بلباسه المدنيّ، فعمد فريق المفوضيّة الذي كان 4 أشخاص إلى مطالبة المعتقلين بفكّ الإضراب، داعيًا إيّاهم إلى فكّه حتى يوجدوا الحلّ لهم، لكنّ المعتقلين أبلغوا هذا الوفد أنّ الإضراب «ليس بكسر عظم أو تحدٍّ مع الحكومة، فالقضيّة قضيّة مطالب وسينتهي الإضراب متى ما أوجدت الحلول».
في 25 أغسطس/ آب كانت التظاهرتان المركزيّتان الثانية والثالثة اللتان دعت إليهما اللجنة المنسّقة، فكانت الأولى عند الساعة الخامسة عصرًا، وانطلق فيها المتظاهرون من السنابس باتجاه مدينة جدحفص، والثانية انطلقت بعد صلاة العشاءين في بلدة أبو صيبع واتجّهت ناحية شارع البديّع الحيويّ.
في 26 أغسطس ارتفع عدد المضربين إلى 804 معتقلين، بينما اعترف النظام بـ700 معتقل فقط.
وطالب 79 ناشطًا حقوقيًّا وسياسيًّا ونقابيًّا وفاعلًا في المجتمع البحرانيّ بتحقيق مطالب المعتقلين السياسيّين المضربين عن الطعام عبر نداء وجّهوه إلى رئيس الوزراء «غير الشرعي» سلمان حمد الخليفة.
ومع دخول الإضراب أسبوعه الرابع أصدرت داخليّة النظام بيانًا طرحت فيه حلولًا واهية لا تلبّي جزءًا يسيرًا من مطالب المعتقلين الذين رفضوها وأصرّوا على المواصلة.
بعد أن كثرت الانتقادات الحقوقيّة لما تسمّى «المؤسّسة الوطنيّة لحقوق الإنسان» على عدم حياديّتها في ملفّ المعتقلين السياسيّين، وتجاهلها مئات الشكاوى من عوائلهم، أقدم وفد منها على زيارة ميدانيّة غير معلنة لسجن جوّ يوم الأحد 27 أغسطس/ آب 2023 لمتابعة أوضاع المعتقلين، حيث التقى مجموعة منهم ممثلين من 5 مبانٍ «12، 10، 9، 8، 7»، الذين رفضوا بداية لقاءهم وذلك لعدم ثقتهم بهم لتزييفهم الحقائق، لكنّهم تراجعوا وقبلوا مقابلتهم مع مواجهتهم بعدم حياديّتهم وتلميعهم صورة النظام، ولا سيّما أنّهم يزورون عادة مباني غير السياسيّين والتي تعدّ الحال فيها أفضل بكثير من مباني السياسيّين.
في 28 أغسطس/ آب صدر عن المجلس السياسيّ في ائتلاف 14 فبراير الموقف الأسبوعي: انتفاضة «لنا حقّ» داخل السّجون وخارجها ستكون لها آثارها في تصويب الصّراع القائم وإفشال خطط الاختطاف والإذعان.
في 4 سبتمبر/ أيلول أثار تصريح المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الإيرانيّة «ناصر كنعاني»، بأنّ إيران تشعر بالقلق إزاء أوضاع المعتقلين السّياسيين في البحرين وإضرابهم عن الطعام، ومطالبته النظام بالتّحرّك السّريع ومتابعة مطالب المعتقلين السّياسيين، استياء الأخير الذي ردّ عبر خارجيّته على هذا التصريح على أنّه تدخّل في الشؤون الداخليّة للبحرين.
مع دخول الإضراب أسبوعه الخامس، ومع تعنّت النظام في عدم الاستجابة لمطالب المعتقلين الإنسانيّة المشروعة، لوّح عدد منهم بالامتناع عن شرب الماء.
في 9 سبتمبر/ أيلول أعلنت ابنة الناشط الحقوقيّ المعتقل «الأستاذ عبد الهادي الخواجة» الحقوقيّة «مريم الخواجة» أنّها تنوي العودة إلى البحرين للضّغط على النظام الخليفيّ للإفراج عنه بعد تدهور وضعه الصحيّ نتيجة إضرابه عن الطعام مع المعتقلين على الرغم من أنّها مهدّدة بالاعتقال على خلفيّة مواقفها المعارضة للنظام.
في 11 سبتمبر/ أيلول صدر عن المجلس السياسيّ في ائتلاف 14 فبراير الموقف الأسبوعي: «زيارة «سلمان حمد» لواشنطن محاولة للخروج من المستنقع.. وندعو إلى دعم المبادرات الدّاعمة للسّجناء المضربين».
يوم الثلاثاء 12 سبتمبر/ أيلول، أي بعد 36 يومًا من الإضراب أعلنت اللجنة المنسّقة للإضراب تعليقه، فيما سيبقى الأسرى بانتظار تطبيق الخطة والمسار المتفق عليه مع إدارة السجن، مع تأكيدها أنّ الأسرى سيبقون مترّبصين وجاهزين ومتأهّبين للعودة إذا نكثت بوعودها، منوّهة إلى أنّ تعليق الإضراب لا يعني تعليق الحراك الجماهيري، فالمطلب الأساسيّ هو الحريّة.
ووجّهت اللجنة في بيانها الشكر للقوى المعارضة، وعلى رأسها الفقيه القائد آية الله قاسم والرموز القادة الشرفاء وللشعب ولعوائل الأسرى الصابرين والعلماء، ولكلّ الأحرار الذين ساندوهم وعلى رأسهم سيّد المقاومة «سماحة السيّد حسن نصر الله».
على إثر إعلان تعليق الإضراب، سارعت المؤسّسة الوطنيّة لحقوق إلى إصدار بيان حاولت من خلاله إبراز نفسها على أنّها صاحبة الفضل في ذلك، حيث قالت إنّ المعتقلين في سجن جوّ قرّروا وقف الإضراب عن الطّعام اعتبارًا من «يوم 11 سبتمبر/ أيلول 2023» وذلك بعد البدء الفعليّ في تطوير الخدمات المقدّمة لهم، وإنّه في أعقاب الزيارة الميدانيّة الثّالثة التي قام بها وفدها إلى السجن، والتقى خلالها مسؤولو المركز عددًا من المعتقلين، بدأ المضربون عن الطّعام في تناول وجباتهم، وأفادوا بالبدء الفعليّ في تطوير وتحسين الخدمات، وأنّ من بينها ما يحتاج بعض الوقت أو إلى تدخّلٍ تشريعيّ.
في 13 سبتمبر/ أيلول 23 صدر عن المجلس السياسيّ في ائتلاف 14 فبراير بيان حول تعليق المعتقلين السياسيّين لإضرابهم عن الطعام «لنا حقّ»، بارك خلاله خطوة المعتقلين معربًا عن ثقته المطلقة بهم وبحكمتهم القديرة في إدارةِ معركتهم داخل السّجون، بما في ذلك قرارهم تجميد الإضراب عن الطّعام حتّى إشعار آخر؛ لافتًا إلى أنّ التّراجع الرّسمي المحدود يقع في إطار زيارة رئيس الحكومة الخليفيّة (سلمان) للولايات المتّحدة، وهو ما يُضفي الطابع التّكتيكي على خطّةِ حكومة الكيان في تحقيق مطالب المعتقلين، والرّغبة في امتصاص مفاعيل الإضراب وتداعياته، وتطويق حركة التّضامن الشّعبيّ والحقوقيّ الواسعة، وهو ما يتأكّد مع اختيار الكيان لمؤسّسةٍ عديمة المصداقيّة لتنفيذ الأجندة الحكوميّة في إشارة إلى «المؤسّسة الوطنيّة لحقوق الإنسان» للإعلان عن تعليق الإضراب والبدء المزعوم في تنفيذ بعض المطالبِ والنّظر في بعضها، بينما لم تصدر الأجهزة المتورّطة في انتهاكات السّجون أيّ تصريحات معلنة بهذا الخصوص، وهو إجراء يُعزّز من أجواء الشّكوك ونكث العهود.
على الرغم من تعليق الإضراب، فإنّ التظاهرات التضامنيّة مع الأسرى متواصلة، حيث انطلقت عصر الجمعة 15 سبتمبر/ أيلول مسيرة مركزيّة غاضبة في عاصمة الثورة سترة، وثانية شهدتها بلدة الدراز ليلًا تحوّلت إلى اعتصام تضامنيّ مع المعتقلين، ورافض للتطبيع مع الصهاينة.
في 18 سبتمبر/ أيلول 23 صدر عن المجلس السياسيّ في ائتلاف 14 فبراير الموقف الأسبوعيّ: «الكيان الخليفيّ يراوغ في تنفيذ مطالب «الحركة الأسيرة» تحت غطاء بريطانيّ واحتلال أمنيّ واستخباريّ أمريكيّ».
بانتظار 30 سبتمبر/ أيلول – تاريخ انتهاء المهلة التي منحها المعتقلون للنظام ليفي بوعوده- لا يزال المعتقلون السياسيّون صامدين…