دخلت معركة الأمعاء الخاوية التي بدأها معتقلو سجن جوّ المركزي يوم الإثنين 7 أغسطس/ آب 2023 تحت شعار «لنا حقّ» يومها الـ24، ولا تزال السلطة الخليفيّة تماطل وتلتفّ بفرقعات إعلاميّة مستهلكة، وتدير وجهها عن الاستجابة الحقيقيّة لمطالبهم المحقّة؛ الأمر الذي أثار حنق أبناء الشعب البحرانيّ وأطلق شرارة احتجاجات ومسيرات امتدّت عبر مختلف المناطق، وهو ما شكّل مأزقًا حقيقيًّا للسلطة الخليفيّة التي تحاول عبثًا احتواء الشارع السياسيّ والشعبيّ عبر القبضة الأمنيّة المشدّدة تارة وإشغال الرأي العام بالقضايا المعيشيّة والدينيّة تارة أخرى.
*مطالب مشروعة*
بأدنى تتبّع لأبسط الحقوق المُطالَب بتوفّرها في السجون بحسب المواثيق والمعاهدات الدوليّة، لا يشكّ لحظة في أنّ المطالب التي رفعها المعتقلون المضربون هي مطالب مشروعة وحقوق أساسيّة ينبغي توافرها في بيئة أيّ سجن، وتلخيصًا لهذه المطالبات وتذكيرًا بها، فإنّها:
– إنهاء العزل الأمنيّ للمعتقلين.
– تمكينهم من الرعاية الصحيّة والتعليم المناسبين.
– إصلاح القيود الصارمة المفروضة على الزيارات العائليّة.
– إنهاء الاحتجاز لمدّة 23 ساعة في الزنازين والسماح لهم بقضاء المزيد من الوقت في الخارج.
– السماح لهم بأداء صلاة الجماعة في مصلّى السجن.
*«الشهيد مال الله» يلوح في الأفق*
لم تبارح للآن صورة شهيد السجون «الشهيد عباس مال الله» ذاكرة أبناء الشعب البحرانيّ، الشهيد الذي دخل إضرابًا مفتوحًا عن الطعام مع إخوانه المعتقلين (أغسطس/ آب 2019) وعانى من اختلال في دقّات قلبه، ونزف حادّ أثناء الذهاب لقضاء حاجته، وقد وقف على ذلك النقيب «حمد عبد الحميد» الذي وجّه رسالة تهديد للشهيد، وأدارت إدارة سجن جوّ وجهها عن مطالبات المعتقلين ومطالباته بتوفير الرعاية الصحيّة، حتى ارتقى شهيدًا وشاهدًا نتيجة الإهمال الطبيّ المتعمّد في 6 أبريل/ نيسان 2021.
إنّ المراهنة على خيارات القمع والقبضة الأمنيّة المشدّدة مع السجناء، واحتواء إضراباتهم وتبعاتها الشعبيّة مراهنة لا يقوم بها إلّا الحمقى الذين لا يقدّرون عواقب الأمور، فلا يمكن التنبّؤ أبدًا بما قد يسفر عنه الإضراب عن الطعام وتبعاته الشعبيّة خاصة لو أدّى إلى استشهاد أحد المعتقلين –لا سمح الله-، الأمر الذي قد يفجّر شرارة احتجاجات واسعة قد لا تنتهي مهما اشتدّت المواجهة فيها إلّا بزوال هذه السلطة الغاشمة والقصاص منها ومن أجهزتها الأمنيّة.
والمتتبّع لأوضاع الساحة البحرانيّة بإمكانه أن يرى أنّ الفرصة لاشتعال الساحة من جديد مؤاتية من جميع الجهات: من استمرار القبضة الأمنيّة لأكثر من 13 عامًا، مرورًا بامتلاء السجون الخليفيّة بأبناء الشعب البحرانيّ وتهجير المئات من العوائل في المنفى، وليس انتهاء بالإيغال في دماء الشباب على مدى عقود من الزمان، إضافة إلى تردّي الأحوال الاقتصاديّة والمعيشيّة لأدنى مستوياتها، وانتهاء بالتسافل الأكبر في تاريخ النظام الخليفيّ «التطبيع مع العدوّ الصهيونيّ».
*الاستهلاكات الإعلاميّة لا تجدي نفعًا*
الرسالة التي أوصلها معتقلو سجن جوّ المركزي للمؤسّسة الحكوميّة «الوطنيّة لحقوق الإنسان» عبر ممثّلها «علي الدرازي» كافية في إيضاح أنّ أيّ محاولات للالتفاف على مطالبهم لن تجدي نفعًا البتة، ونافلة القول لهم ما قاله الأحرار: لا شرعيّة لكم، ولا أحد يعترف بكم لا في الداخل ولا في الخارج.
والأمر نفسه ينسحب على محاولات التواطؤ الحاصل بين النظام الخليفيّ والنظام البريطانيّ بضخّ الأموال من الأوّل وإزالة الثاني للبحرين من قائمة الدّول المصنّفة كدولٍ ذات الأولويّة «مثيرة للقلق» لحقوق الإنسان في تقريره لعام 2022، هذا كلّه أيضًا لا يجدي نفعًا؛ فالصورة السوداء للنظام الخليفيّ لا يمكن تبييضها أو إزالتها بمثل هذه التقارير المدفوعة.
أمّا الاستهلاك الإعلاميّ الأخير من وزارة داخليّة النظام بأنّها ستقوم بـ«مراجعة نظام الزيارات للنزلاء وتطويره ليشمل زيادة التوقيت وتعديل قائمة الزوار»، وأنّها تعتزم كذلك النظر في إمكانيّة «زيادة وقت الاستراحة اليوميّة (التشمّس)»، فقد جاءه الردّ سريعًا أيضًا من اللجنة المنسّقة لإضراب «لنا حقّ»: طرح لم يرقَ لتطلّعاتنا.. والإضراب مستمرّ.
*ختامًا نقول:* لا حلّ للنظام الخليفيّ في الأزمة الراهنة في سجن جوّ المركزي إلّا بالاستجابة التامّة لكلّ مطالبات المعتقلين فورًا وبلا تأخير، ولا مخرج كلّي له في أزمة اعتقالهم الظالم إلّا الإفراج الفوريّ عنهم بلا قيد أو شرط، وهو حقّ لم يسقط أو يُنسى، فهو حقّ المعتقلين السياسيّين الأوّل والأخير ومطالب إضرابهم لا تخرج عن دائرته، حيث إنّها حقوق إنسانيّة سلبهم النظام إيّاها، ولا منّة له عليهم بها.
وعمومًا، لا انتهاء لحلقة الصراع بين هذا النظام المارق والشعب الأصيل إلّا في أن يقرّر الشعب مصيره بنفسه.