صدرت عن رئيسِ مجلسِ الشُّورى لائتلافِ شبابِ ثورةِ 14 فبراير الرسالةُ العاشورائيّةُ للعامِ 1445هـ، هذا نصّها:
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، والحمدُ اللهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيّدِنا ونبيِّنا خاتمِ النبيّينَ أبي القاسمِ محمَّدٍ بنِ عبدِ اللهِ وعلى آلِهِ الطَّيّبينَ الطَّاهرينَ وصَحبِهِ الأخيارِ المُنتجبينَ وعلى جَميعِ الأنبياءِ والمُرسلينَ.
إنّ تعظيمَ شعائرِ اللهِ «عزَّ وجلَّ» من القَواعِدِ الكُلّيّةِ القُرآنيّةِ، إذ يقولُ تباركَ وتعالى في قُرآنِهِ الكَريمِ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّه} [البقرة/ 158]، وتعظيمُ ما هو مُضافٌ إليهِ تعظيمٌ لهُ وقُربٌ منه ومظهرٌ من المظاهرِ الإسلاميّةِ المُوجبةِ للارتباطِ بين الإنسانِ والباري سُبحانَه وتعالى.
ومن مصاديقِ القاعدةِ القُرآنيّةِ وتعظيمِ الشَّعائرِ تعظيمُ الإمامِ الحُسينِ «عليهِ السَّلامُ»، وإحياءُ ذكراهُ إحياءً يستوْعبُ شخصيّةَ الإمامِ الحُسينِ «عليهِ السَّلامُ»، ويستوْعبُ نهضتَهُ بأبعادِها وأهدافِها وغاياتِها، إحياءً يبرزُ مظلوميّتَهُ وما تعرّضَ له من قتلٍ واعتداءٍ وسلبٍ ونهبٍ وأسرٍ لبناتِ الرّسالةِ من دونِ مراعاةٍ لحُرمةِ جدِّهِ رسولِ اللهِ مُحمّدٍ «صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلّم»، إحياءً يجسّدُ سلامةَ الدّينِ والعقيدةِ، وسلامةَ الأفكارِ، فإنّ إمامَنَا وقُدوتَنا إنّما ضحّى بنفسِهِ وأولادِهِ وجميعِ من معه من أجلِ استقامةِ الدّينِ، وسلامةِ العقيدةِ، وصونِ الأفكارِ من الانحرافِ والفسادِ، إحياءً ينسجمُ مع ثقافتِنا الإسلاميّةِ وقيمةِ التّضحياتِ وعظمةِ المُضحّينَ الذين أُريقتْ دماؤُهُم في يومِ عاشوراء، وإنّنا إذ نستقبلُ موسمَ عاشوراءَ لهذا العامِ فإنّنا نوجّهُ رسالتَنَا العاشورائيّةِ للحسينيّينَ والزينبيّاتِ:
1- إنَّ نهجَ الإمامِ الحُسينِ «عليهِ السَّلامُ» هو نهجُ الإباءِ والشَّهادةِ، نهجُ العدالةِ والحقِّ، الحقِّ الذي ينتظرُ كلُّ الكونِ إحقاقَهُ على يدِ مولانا الإمامِ المهديِّ «عجّلَ الله تعالى فرجَه الشَّريف»، نهجُ رفضِ الظُّلمِ والطُّغيانِ، نهجُ الالتزامِ بحدودِ اللهِ وموازينِ الشَّريعةِ في كلِّ شؤونِ الحياةِ، فمن الواجبِ علينا لكي نكونَ حُسينيّينَ الحفاظُ على هذا النَّهجِ من سياساتِ التَّشويهِ والتَّحريفِ والتَّضليلِ بأسلوبِ الدَّليلِ والبُرهانِ، وبما هو ثابتٌ حقًّا عن النَّبيِّ «صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلّم» وثابتٌ يقينًا عن أهلِ بيتِ النُّبوّةِ، بعيدًا عمّا ينافي العقلَ والفطرةَ، فإنّ ما هو ثابتٌ عنهم «عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ» لا يخالفُ العقلَ السَّليمَ والفطرةَ السَّليمةَ، نعم رُبّما يعجزُ العقلُ لضعفِهِ وعدم قدرتِهِ عن إدراكِ ما أخبرَ بهِ النَّبيُّ وأهلُ بيتِهِ «عليهم السَّلامُ».
2- ثقافتُنَا وهويّتُنَا مُحمّديّةٌ علويّةٌ وحُسينيّةٌ، ثقافتُنا ثقافةُ القرآنِ الذي لا يمسُّه إلّا المطهّرونَ تنزيلٌ من ربِّ العالمينَ، والمساسُ به من قبل المُستهْتِرِينَ والمُغْرِضينَ ليس من حريّة التَّعبيرِ في شيءٍ، وإنّما هو اعتداءٌ على المقدّساتِ وتحريضٌ على العُنفِ وبثِّ الفتنةِ والتَّفرقةِ، وعلى الشُّعوبِ أنْ تُواجهَ الاعتداءَ على القرآنِ بما يحفظُ عظمتَهُ وقُدْسيّتَهُ، وثقافتُنا ثقافةُ «إنّا أهل بيت النبوّة» هذا مصدرُ ثقافتِنَا وجذورُها، هذه الثَّقافةُ تُرَافقُنا في ممارسةِ الشَّعائرِ الحُسينيّةِ وتُرافقنا في مواكبِنا الحُسينيّةِ وفي كلِّ شأنٍ من شؤونِ حياتِنا، في بناءِ ذواتِنا، وبناءِ أُسرتِنا، ولا يمكنُ أن نتخلّى عنها أو أن نتأثّرَ بما يروّجُهُ المتخبّطونَ البعيدونَ كلَّ البُعدِ عن الثقافةِ الإسلاميّةِ الأصيلةِ، أو ينتهجُه المطبّعونَ أعداءُ الدِّينِ وأعداءُ شريعةِ سيّدِ المُرسلينَ محمّدٍ «صلّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلّم».
3- دينُنا وثقافتُنا الإسلاميّةُ الأصيلةُ تفرضُ علينا مُقاومةَ التَّطبيعِ مع الكيانِ الصّهيونيّ لخُطُورتِهِ على مجتمعِنا، ووطنيّتُنا توجبُ علينا نبذَ أيِّ علاقةٍ مع الصّهاينةِ الذينَ هم أشدُّ النَّاسِ عداوةً، وخطابُ جُمعتِنا خطابٌ مقاومٌ يرفضُ التَّطبيعِ ويستنكرُ التَّعاملَ مع الكيانِ الصّهيونيِّ الغاصبِ، خطابٌ يواجهُ المخطّطاتِ الأمريكيّةَ والصّهيونيّةَ التي تريدُ أن يتّجهَ مجتمعُنا إلى الانحدارِ الأخلاقيِّ والثَّقافيِّ لتهيمنَ عليه وعلى أرضِهِ ومُقدّراتِهِ، لذا فإنّ ائتلافَ شبابِ ثورةِ 14 فبراير يدعو المؤمنينَ إلى الحضورِ الدَّائمِ والمُواظبةِ المُستمرّةِ على صلاةِ الجُمعةِ، ولا يحقُّ للنظامِ لا شرعًا ولا حقوقيًّا أن يمنعَ المؤمنينَ من الحضورِ أو يقلّلُ من الحضورِ لأداءِ الصَّلاةِ؛ فإنَّ في ذلك مخالفةً واضحةً للحقوقِ الثَّابتةِ في دساتيرِ الدُّولِ.
4- أرادَ النِّظامُ الأُمويّ تقويضَ الهويّةِ الإسلاميّةِ واستبدالَهَا بهويّاتٍ تتصارعُ على السُّلطةِ والهيمنةِ، وهذا من أهمِّ الأمورِ تأثيرًا في الهويّةِ والثقافةِ الإسلاميّةِ، إنّها الهويّةُ القبليّةُ، هويّةُ التعنّتِ والظُّلمِ، هويّةُ الثقافةِ الاستبداديّةِ والحكوماتِ الدِّكتاتوريّةِ، هويّةُ التحجّرِ، هويّةُ المساسِ بالمرأةِ والاعتداءِ عليها وعلى عفّتِها وحجابِها، فكانت ثورةُ الإمامِ «عليه السَّلامُ» لتمنعَ الفسادَ في هويّتِنا وثقافتِنا الإسلاميّةِ وانتمائِنا إلى الدِّينِ، وكان للنِّساءِ ضمنَ البرنامجِ التَّخطيطيّ لقائدِ الثورةِ دورٌ مؤثرٌ ومصيريٌّ في مواجهةِ كلِّ أنواعِ الانحرافِ والتَّضليلِ، وها هي كلماتُ السَّيّدةِ زينبَ «عليها السلام»، تستشهدُ بها النِّساءُ العظيماتُ في المواقفِ الصَّعبةِ ومواجهةِ الطُّغاةِ المستبدّينَ الذينَ يسعونَ في الأرضِ فسادًا، وهيهاتَ أن يصلُوا إلى مبتغاهُم ما دامتِ النِّساءُ الزينبيّاتُ حاضراتٍ في الساحاتِ وميادينِ الثَّقافةِ النَّظيفةِ وميادينِ الحشمةِ والطَّهارةِ والعفافِ.
5- إنّ سيرةَ أبي عبدِ اللهِ الحُسينِ «عليهِ السَّلامُ» وكلماتِهِ وشعاراتِهِ من حينِ خروجِهِ حتى استشهادِهِ لا تختلفُ مع شعاراتِ باقي الأئمّةِ «عليهمُ السَّلامُ» ولا تتناقضُ معها، والاختلافُ في المواقفِ إنّما هو للظُّروفِ الموضوعيّةِ، فالنهجُ واحدٌ والسِّيرةُ واحدةٌ والمنبعُ واحدٌ هو نهجُ الرَّسولِ «صلّى الله عليه وآلِهِ وسلّم»، وكلُّ كلماتِهِم ومواقِفِهِم من نورٍ واحدٍ، فقدْ يُتّخذُ موقفٌ على أرضِ الواقعِ وقد يبقى في الوجدانِ والضَّميرِ من دونِ ممارسةٍ، والمؤمنونَ في المواقفِ يتّبعونَ ما يُحدّدهُ العُلماءُ وأصحابُ النَّظرِ في الشَّأنِ العام بعد دراسةٍ ودقّةٍ في الحيثيّاتِ.
وأخيرًا نقولُ إنّ ثَورةَ الإِمامِ الحُسينِ «عليهِ السَّلامُ» كانتْ لمُوَاجهةِ العقليّةِ القبليّةِ والاستبداديّةِ التي أرادتْ طمسَ الدِّينِ ومعالمِهِ، ولإحلالِ نظامٍ شرعيٍّ شاملٍ لجميعِ جوانبِ الحياةِ يُحتذى بِهِ ويهتدى بنهجِهِ لاستبدالِ الأنظمةِ الاستبداديّةِ الفاسدةِ.
السَّلام عَلَيْكَ يَا سيدي ومولاي يا أبا عَبْدِ اللهِ وَعلَى الأرواحِ الّتي حلّتْ بِفِنائِكَ، عَلَيْكًم مِنِّي سَلامُ اللهِ أبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ الليْلُ وَالنَّهارُ، السَّلام عَلَى الحُسَيْن، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَين.
وأَعظمَ اللهُ أُجورَنَا وأُجورَكُم.
رئيسُ مجلسِ الشُّورى لائتلافِ شبابِ ثورةِ 14 فبراير
الثلاثاء 18يوليو/ تموز 2023م