بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسّلامُ على حبيبِهِ وخيرتِهِ من خلقِهِ سيّدِنا ونبيِّنا أبي القاسمِ المصطفى محمّدٍ وعلى آلِهِ الطيّبينَ الطاهرينَ.
يُعدُّ شهرُ رمضانَ المباركُ أفضلَ الشّهورِ، وفضلُهُ العظيمُ من فضلِ ليلةِ القدرِ التي نزلَ فيها القرآنُ الكريمُ، فهي كنزُهُ وزينتُهُ، وهي عونُ الضّعفاءِ وعصمةُ المؤمنينَ، وهدى الصالحينَ وفسطاطُ المتعبّدينَ، وكلُّ ما ينزلُ فيها هوَ حقٌّ من عندِ اللهِ «سبحانَه وتعالى» الذي خصَّ شهرَ رمضانَ بمزايا وضاعفَ فيه الأجورَ، فحقيقٌ على كلِّ المسلمينَ في بقاعِ الأرضِ كلِّها أن يبتهجوا ويفرحوا لقدومِ هذا الشّهرِ العظيمِ، ويتجهّزوا لاستقبالِهِ بشتّى الوسائلِ والطرقِ التي تُرضي وليَّ أمرِنا الإمامَ صاحبَ العصرِ والزمانِ «سلامُ اللهِ عليه بجوامعِ السّلام». واغتنامًا لهذا الشّهرِ الفضيلِ، وظرفِهِ وزمانِهِ الاستثنائي، أُنوّهُ للإخوةِ والأخواتِ ببعضِ الأمورِ:
1- لِنعلمْ أنَّ شهرَ رمضانَ شهرُ الفُرصِ: فُرصةِ الذّكرِ والدُّعاءِ، وفُرصةِ الاستغفارِ، وهو فُرصةٌ للارتباطِ باللهِ «عزَّ وجلَّ»، والارتباطِ بمنْ هو قوامُ الكونِ كلِّهِ ولولاهُ لساختِ الأرضُ بأهلِها، الذي بهِ يُمسكُ السّماءَ أنْ تقعَ على الأرضِ إلّا بإذنِهِ، وبه يُنفّسُ الهمَّ، ويكشفُ الضّرَّ «الإمامِ صاحبِ العصرِ والزمانِ أرواحُنا لتُرابِ مقدمِهِ الفداءُ»، والارتباطُ بالكمالِ الروحيِّ ومحورِ الألطافِ الإلهيّةِ ومركزِ إشعاعِ رحمةِ اللهِ «تبارك وتعالى» يتجلّى من خلالِ الدُّعاءِ له بالفرجِ، والزياراتِ الخاصَّةِ بِهِ، وإهداءِ تلاوةِ القرآنِ الكريمِ والأدعيةِ المأثورةِ إليه، وأثرُ ذلك المعيّةُ معه «عليه السّلام» والمعيّةُ معه تُحقّقُ المعيّةَ معَ اللهِ «عزَّ وجلَّ»؛ «مَنْ أَرَادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ ومَنْ وَحّدَهُ قَبِلَ عَنْكُم».
2- اعلمُوا أنَّ الصّيامَ يُؤدِّي إلى قهرِ الشّيطانِ وكسرِ الشّهواتِ وحفظِ الجوارحِ، ويقوّي الإرادةَ ويعلّمُ الصّبرَ ويُرسّخُ الأخلاقَ الجميلةَ، ومن الخُلقِ الحَسنِ تفقّدُ الأُسرِ العفيفةِ، وتفقّدُ الأقرباءِ والجيرانِ والأصدقاءِ، فلعلَّ فيهم من يحسبُهُم الجاهلُ أغنياءَ من التعفّفِ وفي حياةِ بعضِهِم آلامٌ لا يسمعُ أنينَها إلّا اللهُ، وهنا أدعو أيضًا الصّائمينَ في هذا الشّهرِ الكريمِ إلى تعزيزِ التكافلِ الاجتماعيِّ وجمعِ التبرّعاتِ قدرَ الإمكانِ وحسبَ المستطاعِ للمُحتاجينَ والمعوزينَ داخلَ البحرينِ وخارجَها من متضرّرِي الزلزالِ في تركيا وسوريا؛ فإنّ ذلكَ خُلقٌ كريمٌ، وفيهِ منَ الثّوابِ العظيمِ في هذا الشّهرِ العظيمِ.
3- يا أبناءَ شَعبِنَا المُجاهدِ والمُقاومِ مطالبُكُم السّياسيّةُ مطالبٌ عادلةٌ، وحقُّكُمْ حقٌّ مشروعٌ ومكفولٌ بحسبِ الدّساتيرِ والمواثيقِ الدّوليّةِ، وتعنّتُ النّظامِ وقمعُهُ الأمنيُّ والسّياسيُّ لن يُفقدَهَا قيمتَها وعدالتَها، ورهانُهُ على تعبِكُمْ ونفاذِ صبرِكُم وتراجُعِكُم عن حقِّكُم هو رهانٌ فاشلٌ وخاسرٌ حيث إنّ صبرَكُم من صبرِ الحُسينِ «عليه السّلام» لا نفاذَ ولا حدودَ له، وإرادتُكُم إرادةٌ لا تنكسرُ، وعزيمتُكُم لا تراجعَ فيها، وحُضورُكُم في السّاحاتِ مستمرٌّ حتى تقريرِ مصيرِكُم واسترجاعِ حقوقِكُم كاملةً، فألفُ تحيّةٍ لكُمْ ولكلِّ معتقلٍ ومطاردٍ ومهجّرٍ منكم.
4- في هذه الرّسالةِ أودُّ أنْ أنبّهَ أحبّتي إلى خطورةِ التّطبيعِ وما ذهبَ إليه النّظامُ الخليفيُّ، فإنَّ التّطبيعَ ليس فقط بناءَ علاقاتٍ سياسيّةٍ واقتصاديّةٍ وعلميّةٍ وأمنيّةٍ – كما يزعمُ هذا النظامُ- بل هو تسليمٌ للكيانِ الصّهيونيِّ بحقِّهِ المزيّفِ في اغتصابِ الأراضي الإسلاميّةِ، والتّطبيعُ ليس علاقاتٍ دبلوماسيّةً بل مسخٌ لهويّتِنا الإسلاميّةِ، واستسلامٌ ورضا بأبشعِ مراتبِ المذلّةِ والهوانِ، شعبَنَا الأبيَّ إنَّ النّظامَ الخليفيَّ ذهبَ بعيدًا في تطبيعِهِ مع الكيانِ الصّهيونيِّ ضاربًا كلَّ المعاييرِ الدّينيّةِ والوطنيّةِ عرضَ الجِدارِ، حتى وصلَ بهِ الأمرُ – بحسبِ الأخبارِ الواردةِ إلينا – إلى تمليكِ عقاراتٍ جديدةٍ على شكلِ جُزرٍ بعد عمليّاتِ بيعٍ وشراء في العاصمةِ ليهودٍ وبطرقٍ التفافيّةٍ، وهذا ما يشكّلُ خطورةً واضحةً على الدّينِ والوطنِ، وهو نهجٌ مرفوضٌ لأنّه تهديدٌ وجوديٌّ لكلِّ شعبِ البحرين سُنّةً وشيعةً، فالحذرَ كلَّ الحذرِ من ذلك، ولا تقبلوا لأنفُسِكُم السّكوتَ فإنَّ ذلك يعني مساسًا بالدّين، والتّهجيرَ والمذلّةَ والهوانَ، ولا حولَ ولا قُوّةَ إلّا باللهِ العليِّ العظيمِ.
5- إنَّ ما يجري في كلِّ بُلدانِ العالمِ من حروبٍ ونزاعاتٍ بين الدّولِ، بل بين أيِّ دولةٍ وشعبِها تقفُ وراءَهَ الإدارةُ الأمريكيّةُ من أجلِ السّيطرةِ على خيراتِها وإخضاعِ الشّعوبِ تحت سيطرتِها وإرادتِها، وأمّا عن الحكّامِ الديكتاتوريّينَ والانفراديّينَ الطّامعينَ في الدّنيا ومناصبِها، فيكفي الإدارةَ الأمريكيّةَ لتطويعِهِم الإشارةُ إلى مناصبِهِم وكراسيهِم، ليبيعوا وطنَهُم ويجعلوا بلادَهُم تحت سيطرتِها، وإلّا فما فائدةُ الوجودِ الأمريكيِ وقواعدِهِ العسكريّةِ في منطقتِنا العربيّةِ والبلدانِ الإسلاميّةِ؟ وما الموجبُ لنظامِ البحرينِ بالسّماحِ لهذا الوجودِ المتمثّلِ بالأسطولِ الخامسِ في المنامةِ إلّا تفكيرُهُ به أنّه دائمٌ له وحاميه من بلاءِ الدّنيا وعقوباتِها؟ ولن تعقبَه إلّا الندامةُ، فوجودُ الأسطولِ الخامسِ في المنامةِ يشكّلُ تهديدًا للشعبِ بل للمنطقةِ بكامِلِها، ومن هنا ندعو الشّعبَ في أوّلِ يومِ جمعةٍ من شهرِ رمضانَ المباركِ وهو «اليومُ الوطنيُّ لطردِ القاعدةِ الأمريكيّةِ من البحرين» إلى مقاومةِ هذا الوُجودِ بما يُتاحُ فإنّهُ من أكبرِ الشّياطينِ في وطنِنا العزيزِ على قلوبِنا، وليكنْ ذلكَ طريقَ الاستعدادِ لإحياءِ «يومِ القدسِ العالميِّ» في آخرِ جمعةٍ من شهرِ رمضانَ الفضيلِ.
ختامًا، نقولُ إنَّ شعبَ البحرينِ شعبٌ مقاومٌ يُحبُّ الأمنَ والأمانَ والعيشَ بطمأنينةٍ وسلامٍ، وسيبقى ثائرًا ومُضحّيًا حتى تقريرِ مصيرِهِ ورسمِ نظامِهِ السّياسيِّ بنفسِهِ تحتَ شعارِ كلمةِ التوحيدِ ووحدةِ الكلمةِ، وفي ظلِّ قيادةٍ حكيمةٍ تنشدُ الحقَّ والعدلَ والاستقرارَ في البلادِ.
نسألُ اللهَ تعالى أنْ يبلّغَنَا وإيّاكُم صيامَ شهرِ رمضانَ المباركِ وأنْ يغفرَ لنا ذنوبَنَا فيه، خابَ وخسرَ من أدركَ شهرَ رمضانَ ولم يُغفرْ له.
رئيسُ مجلسِ الشّورى في ائتلافِ شبابِ ثورةِ 14 فبراير
الأربعاء 22 مارس/ آذار 2023م