صدرت كلمة عاشورائيّة عن رئيسِ مجلسِ شُورى ائتلافِ شبابِ ثورةِ 14 فبراير بمُناسبةِ حُلولِ الموسم العاشورائي 1444 هــ، هذا نصّها:
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلّى اللهُ على محمّدٍ خاتمِ النبيّينَ وتمامِ عدّةِ المرسلينَ وعلى آلِهِ الطيّبينَ الطاهرينَ وأصحابِهِ المنتجبينَ، السَّلامُ على الحُسينِ وعلى عليِّ بنِ الحُسينِ، وعلى أولادِ الحُسينِ، وعلى أَصْحابِ الحُسينِ.
إنَّ يَومَ عاشوراءَ وما جَرَى فيهِ من قتلٍ وذبحٍ للعتْرةِ الطّاهرةِ، وسلبٍ ونهبٍ للزينبيّاتِ، هو يومُ حُزنٍ وغمٍّ وبكاءٍ، يومُ مُصيبةٍ من أكبرِ المَصائبِ في تاريخِ البشريّةِ، بحيثُ لا نجدُ هكذا حادثًا مُحزنًا في التَّاريخِ بالرّغمِ من الحوادثِ التَّاريخيّةِ المُؤلمةِ التي سمعْنا بها وشاهدْناها، حتى وصفَ الإمامُ الباقرُ «عليه السَّلام» في زيارةِ عاشوراءَ هذا الحدثَ بأنّه أكبرُ مُصيبةٍ في السَّماءِ والأرضِ، إذ قال: «لقد عظُمتِ الرّزيّةُ وجلّتْ وعظُمتْ المُصيبةُ بكَ علينا وعلى جميعِ أهلِ الإسلامِ، وجلّتْ وعظُمتْ مُصيبتُكَ في السَّماواتِ على جميعِ أهلِ السَّماوات». وفي دُعاءِ النُّدبةِ جاءَ: «فعلى الأطائِبِ من أهلِ بيتِ محمّدٍ وعليٍّ صلواتُ اللهِ عليهِما وآلِهِما فليبكِ الباكونَ، وإيّاهُمْ فليندُبِ النادبونَ، ولمثلِهِم فلتُذرفِ الدُّموعُ، وليصرخِ الصَّارخونَ، ويضجَّ الضَّاجّون، ويعجَّ العاجّون، أينَ الحسنُ، أين الحُسينُ، أين أبناءُ الحُسينِ؟».
بعدمَا فقدتِ الأُمّةُ مُقوّماتِها الذاتيّةَ في المُواجهةِ واستحوذَ عليها الكثيرُ من الأفكارِ والنظريّاتِ المغلوطةِ، حتى أضحتْ ظاهرةُ الاستسلامِ علامةً واضحةً وسِمةً بارزةً، وهي تشاهدُ مشاهدَ الظُّلمِ والاستعبادِ تحت مظلّةِ الكثيرِ من المنظوماتِ المنحرفةِ والفاسدةِ التي عملتْ على امتهانِ الكرامةِ الإنسانيّةِ وسلبِ هويّتِها وقلبِ القِيَمِ الأخلاقيّةِ والمفاهيمِ الإسلاميّةِ، حتى أصبحَ المُنكَرُ معروفًا والمعروفُ منكرًا، انتفضَ أبو عبدِ اللهِ الحُسينِ «عليهِ السّلام» امتثالًا للتّكليفِ الإلهيِّ وعملًا بالوظيفةِ الشرعيّةِ، لانتشالِ الأُمّةِ ممّا وصلتْ إليه، من رجوعٍ عنِ الإسلامِ وتحريفٍ للقُرآنِ وابتعادٍ عن تعاليمِ الرَّسولِ الأكرمِ «صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلّم»، ورفضَ الاستسلامَ والبيعةَ لطاغيةِ زمانِهِ يزيدَ بنِ معاويةَ، حيث قالَ مقولتَهِ المشهورةَ، والتي ترسمُ استراتيجيّةً واضحةً تتخطّى الزمانَ والمكانَ: «ومثلِي لا يُبَايعُ مثلَهُ»، من هذه الكلمةِ، نتعلّمُ أنَّ الحقَّ لا يبتدِئُ مرحلتَهُ بالاستسلامِ والسُّكوتِ، والذُلِّ والخُنوعِ، وإنّما يبدأُ بالرّفضِ، رفضِ الجماهيرِ، وبثورتِها على الانحرافِ والفسادِ الذي ينخرُ أعماقَ المُجتمعِ، فكلمةُ «ومثلي لا» تعني رفضَ قيادةِ الحاكمِ المُنحرِفِ الذي تجاوزَ بتصرّفاتِهِ وسُلوكِهِ حدودَ ما أنزلَ اللهُ في كتابِهِ، وأباحَ لقادتِهِ السُّفهاءِ المُنحرفينَ والمُؤتمِرينَ بأوامرِهِ مُصادرةَ الأموالِ والمُمتلكاتِ، وكَبْتَ الحُريّاتِ، وخَنْقَ الأصواتِ وهَتْكَ الحُرُماتِ والتعدِّي على الشَّعائرِ الحُسينيّةِ والمُقدّساتِ، كلمةُ «ومثلي لا» ثورةٌ على كلِّ ما يخالفُ ثقافَتَنا الإسلاميّةَ ومبادِئَنَا الأصيلةَ التي تعلّمنَاها وفهمْنَاها من كتابِ اللهِ العزيزِ، ومن النّبيِّ الأكرمِ «صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلّم» ومدرسةِ أهلِ البيتِ «عليهم السَّلام».
شعبَنَا العزيزَ المُقاومَ، يا من تعلّمَ ونهلَ من مدرسةِ أبي الأحْرارِ دُروسَ الثّورةِ والإباءِ، إنَّ أبا عبدِ اللهِ يستنْهِضُ همَمَكُم وعزائمَكُم، واستقلالَ إرادتِكُم، فأجمِعُوا أمرَكُم، وتحلَّوا بتعاليمَ دينَكُم، ووحّدُوا صُفوفَكُم، واجعلُوا عزائمَكُم مُوحّدةً، في سياستِكُمْ خلفَ تعاليمِ دينِكُم وقرآنِكُم ونبيِّكُم، وخلفَ قيادتِكُم الحكيمةِ المُخلصةِ لدينِها وشعبِها، وقولوا كلمةَ «لا» للقوانينِ الظَّالمةِ، و«لا» لانتخاباتٍ مُزيّفةٍ وغيرِ عادلة، و«لا» للتّراجعِ عن حقِّنا في تقريرِ مصيرِنا، و«لا» للتّطبيعِ الذي يؤسّسُ للاستيلاءِ على بلادِنا، و«لا» للصَّهاينةِ وثقافتِهِم في أرضِنا، و«لا» للمُتصهينينَ والمُحاربينَ لدِينِنا في وطنِنا، أعلنُوا براءَتَكُم من الظَّلمةِ وأعوانِهِم وأفعالِهِم وقوانينِهِم وانتخاباتِهِم الباطلةِ، كلمةُ «لا» هي سبيلُ المُقاومةِ الشَّعبيّةِ العامّةِ نحو نيلِ العزّةِ والكرامةِ، والطريقُ الواضحُ في مُواجهةِ الظُّلمِ والظّالمين.
أحبَّتي وأعزَّتي في اللهِ، وكلُّ من يَعْنيهِ الأمرُ من الإخوةِ في أطيافِ المُعارضةِ ومن له تأثيرٌ في لمِّ الشَّملِ وتَقويةِ العملِ المُشتركِ، وعلاجِ نقاطِ الخللِ والنّقصِ، فلنتحمّلْ مسؤوليّتَنَا تجاهَ دينِنا ومُجتمعِنا ووطنِنا، في رعايةِ الوحدةِ والحرصِ على حمايتِها، وسدِّ الثّغراتِ التي تُعيقُ العملَ، ولا داعي لاستسهالِ لومِ الآخرينَ، لتبريرِ الأخطاءِ عوضًا عن تحمّلِ المسؤوليّةِ في تقييمِ الأمورِ ومُحاسبةِ النَّفسِ، ولا يُغفلُ عن الإنجازاتِ التي حقّقَها شبابُ الثَّورةِ والمعارضةُ والشَّعبُ، وما سطّروه معًا من ملاحمِ صمودٍ وثباتٍ طوالَ السَّنواتِ الماضيةِ، فهي محلُّ تقديرٍ واحترامٍ كبيرَيْن، ويُمكنُ البناءُ عليها في مسارِ العملِ التّراكميِّ في ثورتِنا المُباركة.
وبهذِهِ المُناسبةِ العظيمةِ والحدثِ التاريخيِّ المُؤلمِ أودُّ أنْ أنبّهَ على الربطِ بين ثورةِ الإمامِ الحُسينِ «عليه السلام» وما نؤمنُ بهِ في الإمامِ المهديِّ «عجّلَ اللهُ فرجَهُ الشَّريف»، وهو أنّ ما قامَ به الإمامُ الحُسينُ «عليه السلام» في وقتِهِ سيقومُ بهِ الإمامُ المهديُّ «عليه السّلام» حين يخرجُ، ولكن في مجالٍ أوسعَ وأكبرَ حيث سيُكمِّلُ ما بدأَهُ الإمامُ الحُسينُ «عليه السّلام» في طرحِهِ مشروعَ الإصلاحِ العامِّ «خرجْتُ لطلبِ الإصلاحِ»، لذا نجدُ الهدفَ القِيميَّ والأخلاقيَّ بين الإمامِ الحُسينِ «عليه السلام» وحفيدِهِ المهديِّ «عليه السّلام» واحدًا، وهو ضرورةُ تطبيقِ منهاجِ اللهِ تعالى في أرضِهِ، وبسطِهِ على عبادِهِ، والرواياتُ نصّتْ على أنَّ الإمامَ المهديَّ «عليه السّلام» «يملأُ الأرضَ قسطًا وعدلًا مثلما مُلِئتْ ظُلمًا وجورًا». يقولُ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ «عليه السلام»: «ولكنْ لنردَّ المعالمَ من دينِكَ، ونظهرَ الإصلاحَ في بلادِكَ. فيأمنُ المظلومونَ من عبادِكَ، وتقامُ المعطّلةُ من حدودِكَ».
وخاتمةُ الكلامِ أنَّ وظيفةَ الأنبياءِ والأئمّةِ المَعصومينَ «عليهم السَّلام» إصلاحُ المُجتمعِ، وتطبيقُ منهاجِ اللهِ «عزّ وجلّ»، والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المُنكر.
السَّلامُ على الحُسينِ وعلى عليِّ بنِ الحُسينِ وعلى أصحابِ الحُسينِ. السَّلامُ عليك سيّدي ومولاي وعلى حفيدِكَ المهديِّ المنتظرِ، بقيّةِ اللهِ في أرضِهِ وحجّتِهِ على خلقِهِ «أرواحُنا لترابِ مقدمِهِ الفداء»، سلام يا مهديّ إنّا على العهدِ.
صادر عن: رئيس مجلس شورى ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير
الجمعة 29 يوليو/ تمّوز 2022 م