كان يوم الجمعة 17 يونيو/ حزيران 2022 يومًا عاديًّا في روضة الحوراء «ع» في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، فرياض شهداء المقاومة الإسلاميّة تزدان بصورهم، والورود تزيّنها والشموع مضاءة، والأهالي يتلون القرآن عند بعضها، وزوّار يجيئون ويروحون، والحال كذلك حتى العصر، حين وضعت الفنّانة اللبنانيّة «غدير الحاج سليمان» لوحتها الفنيّة إلى جانب روضة الشهيد المقاوم، عميد الأسرى في السجون الصهيونيّة «الحاج سمير القنطار»، وبدأ قلمها يرسم الشهداء البحرينيّين «مزاحم الشتر ومحمد الشاخوري وحسام الحداد وعلي المؤمن».
في هذه اللوحة، تحكي الفنّانة غدير رحلة بطولة بدأت منذ عشرات السنين، من قبّة مسجد الأقصى الصامد، إلى احتلال فلسطين بقوّة النار والبارود، إلى نضالات الشعوب وثورتها لأجل أولى القبلتين، وتقف طويلًا عند قصّة شهيد البحرين الذي استبسل في القتال لأجل «معشوقة العرب فلسطين» الشهيد البطل «مزاحم الشتر»، وكان في صفوف أشقّائه الفلسطينيّين وهم يتصدّون لجحافل العدوّ الصهيونيّ الذي استباح أرض جنوب لبنان في العام 1982 بهدف تصفية الحركات المقاومة فيه، حتى قضى شهيدًا «ممتشقًا الـ آر بي جي»، فاختلط دمه البحرينيّ بدماء الشهداء الفلسطينيّين على تراب لبنان، بثلاثيّة أسّست لحكاية أخوّة خالدة.
وتطوي اللوحة سنوات الجهاد وصولًا إلى العام 2002، إلى البحرين، بالقرب من السفارة الأمريكيّة، حيث سقط آنذاك الشهيد الثاني على طريق القدس «محمد جمعة الشاخوري»، الذي اغتيل بالرصاص المطاطيّ بينما كان مشاركًا في تظاهرات لأجل القضيّة الفلسطينيّة، وينادي «الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل»، وتتابع غدير راوية حكاية الشهيد الفتى «حسام الحداد» الذي استشهد في العام 2012 بينما كانت البحرين تستعدّ لإحياء يوم القدس العالميّ، برصاصة غدر تسبق عمليّة تعذيب وحشيّ ليشارك مصير شهداء فلسطين حين يسقطون جرحى بيد العدو الصهيونيّ.
وتخطّ غدير على لوحتها ذاك العهد الذي سيسجّل لشهيد الخميس الدامي «علي المؤمن» الذي استشهد في بدايات ثورة شعب البحرين الأبيّة في العام 2011، بينما كان يعتصم مع المئات من الشبّان في دوّار الشهداء إذ قال «نخرج هنا من أجل كرامتنا وعزّتنا… وأعيننا على القدس»، بضع كلمات تختصر حكاية شعبين أبعدتهما المسافات ووحّدهما عشق فلسطين.
تقول الفنّانة اللبنانيّة عن لوحتها: «لم أرسم وجوه شهداء البحرين في روضة شهداء لبنان، بل كنت أترجم نداءاتهم الخفيّة، وما اختلجت به قلوبهم النابضة عشقًا لفلسطين، بينما ألمح في عيونهم أسرارًا غيبيّة تشاركوها مع الشهيد سمير القنطار».