صدرت كلمة عن رئيس مجلس شورى ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير بمناسبةِ قرب حلول شهر رمضان المبارك 1443 هـ، تناولت عدّة مواضيع مهمّة هذا نصّها:
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحَمدُ للهِ الذي هَدَانا لحَمْدِهِ وجَعَلنا من أهلِهِ لنكونَ لإحسانِهِ من الشّاكِرينَ، وصلّى اللهُ على سيِّدِنا محمّدٍ وعلى آلِهِ الطّيّبينَ الطّاهرينَ، والّلعنةُ الدّائمةُ على أعدائِهِمْ من الآن إلى قيامِ يومِ الدّين.
تَسْتَقبِلُ الأُمّةُ الإِسلاميّةُ وافدًا كريمًا تتشوّقُ الأَفْئِدةُ إلى مجيئِهِ، وتتطلّعُ النُّفوسُ إلى قُدومِهِ، إنّهُ ضَيْفٌ حَبيبٌ على قُلوبِ المُؤْمنينَ، عزيزٌ عليهِم، يَطرُقُ أبوابَ جَوارحِهِم، هو شهرٌ عند اللهِ أفضلُ الشُّهور، وَهُم فيه في ضِيافةِ اللهِ تعالى، هو شهرُ رَمَضانَ المُبارك.
هذا الشَّهرُ الفَضيلُ شهرُ تِلاوةِ القرآنِ، شهرُ الاستغفارِ والدُّعاءِ والمُناجاةِ، شهرُ الجودِ والسَّخاءِ والإِحسانِ، شهرٌ أبانَ اللهُ سبحانَهُ وَتَعالى فَضيلَتَهُ على سائرِ الشُّهورِ، بما جعلَ له من الحُرُماتِ المَوفورةِ والفَضائلِ المَشهورةِ، ثمّ فضّلَ فيه ليلةً من ليالِيهِ على ليالي ألفِ شهرٍ وسمّاها «ليلةَ القدْرِ» وهي ليلةٌ { تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، سلامٌ من ملائكةِ اللهِ بسلامِ اللهِ على محمّدٍ بنِ عبدِ اللهِ وأهلِ بيتِهِ، من أوّلِ ما يَهْبِطونَ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ، فَيَا عِبادَ اللهِ أَكْثِرُوا في هذا الشَّهرِ الكَريمِ من الدُّعاءِ والعَملِ الصَّالحِ، والتَّعاوُنِ على البرِّ والتَّقوَى، فإنَّ العملَ فيه، وخصوصًا في ليلةِ القدرِ، خيرٌ منَ العملِ في ألفِ شهرٍ ليس فيها ليلةُ القدرِ، وفي هذه المَحَطّةِ الإِيمانيّةِ يتَجَدّدُ لِقاؤُنا، ويطيبُ لنا أنْ نُنَوِّهَ إلى بعضِ النِّقاطِ:
أوّلًا: نَسترعِي عنايةَ المُؤمنينَ العَاملينَ في الحقلَيْنِ الدِّينيِّ والثَّقافيِّ في وطنِنا العَزيزِ، لأنْ لا يَنْظُرُوا إلى الوَاقِعِ العَقائديِّ والثقافيِّ في مُجتمَعِنا نظرةً تجزيئيّةً، وإلى أيّ موضوعٍ جزئيٍّ كردّةِ فعلٍ لعلاجِهِ بعد وُقُوعِهِ في المجتمع، بلْ علينا أنْ نرسمَ الخُططَ بعيدةَ المدى، ونُفكّرَ بشكلٍ كُلّيٍ أمام الشُّبهاتِ العَقَائديّةِ وغِيابِ المَعْنويّاتِ وَالقِيَمِ في سُلوكِ الفردِ والمُجتَمَعِ، ومن ثمّ نَضعُ العِلاجَ والحُلولَ بشكلٍ مُنظّمٍ ومُنَسّقٍ لتحصينِ مُجتمعِنا، وَلْنَعلمَ جميعًا أنّ ظهورَ جماعةِ «بدعةِ السَّفارةِ» مرّةً أخرى، مع ما يعانِيهِ الواقعُ الثقافيُّ والفكريُّ والعقائديُّ في البحرينِ من تَراجعٍ مُستمرٍّ، لم يكنْ مَحْضَ الصُّدفةِ، بل هو أمرٌ مُمَنهجٌ ومُخَطّطٌ له من أعداءِ اللهِ وأعداءِ الدِّينِ الذينَ يَسْتهدِفونَ القِيمَ والمَعارفَ والعاداتِ الحسنةَ والتَّقاليدَ الطّيّبةَ والعقيدةَ السَّليمةَ، ويُحاولونَ تغييرَ التَّاريخِ وتبديلَ الحَضارةِ الإِسلاميّةِ إلى حضارةٍ بعيدةٍ عنِ الإِسلام.
ثانيًا: إنّنا لا نؤمنُ بِدَوْلةٍ اسمُها «إسرائيلَ»، بل إنَّ وُجودَ الصَّهاينةِ في فلسطينَ المُحتلّةِ هو وُجودٌ طارئٌ لغدّةٍ سَرَطانيّةٍ، وكيانٌ غاصبٌ زُرِعَ في قلبِ الأمّةِ العَربيّةِ لاغتصابِ أرَاضِيها، ونهبِ ثَرَواتِها، وتغييرِ هويّتِها وثقافتِها، فبعدَ أنِ ارتكَبَ المَجازرَ واحْتلَّ فلسطينَ الأرضَ الإسلاميّةَ، واستولى على مُقدِّراتِها، وهَجّرَ مواطنِيها الأَصْليّينَ وأتى مكانَهُم بمُسْتوطنينَ غُرباءَ، وتَعدَّى على حدودِ غيرِها من البُلْدانِ العَربيّةِ بقوّةِ السِّلاحِ، وبعد كُلِّ هذا الإِجرامِ المُمَنهجِ، وسَفْكِ الدِّماءِ، يَتمدّدُ في بعضِ الدُّولِ العربيّةِ عبر بوّابةِ التَّطبيعِ معَ بعضِ الأَنظمةِ الدِّيكتاتوريّةِ التي لا تُمثّل الشعوبَ، فنجدُ أنّ بعضَهَا قد ارتمى في أحضانِهِ – ومن بينها نظامُ آلِ خليفةَ الفاقدُ للشَّرعيّةِ والمَرْفوضُ من شعبِ البحرينِ – ظنًّا منها أنّها بخيانَتِها العظمى لفلسطينَ والأُمّة الإِسلاميّةِ، وبَيْعِها الأوطانَ للكيانِ اللقيطِ سيدومُ حُكمُها الدِّيكتاتوريُّ؛ غافلةً عن أنّ الاحتماءَ بهِ والتَّبعيّةَ العَمياءَ لأمريكا والغربِ، يعنيانِ الفوضى وفقدانَ الأمنِ وبدايةَ زَوَالِها وسُقوطَ عُروشِها، إذْ إنَّ الشُّعوبَ المُقاومةَ والواعيةَ لمدى خُطورةِ وجودِ هذا الكيانِ في أوساطِها لنْ تسكتَ، ولنْ تَتهاونَ في مُقاومتِهِ، وستجبُرُهُ على مغادرةِ أراضِيها صاغرًا ذليلًا، يجرُّ أذيالَ الخيبةِ والانكسارِ، ولنْ يصرِفَ تطبيعُ الحُكّامِ الخُونةِ الشُّعوبَ عن قضيّتِها المركزيّةِ، وسيبقى المسجدُ الأقصى قِبلتَها، ورمزَ وِحدتِها، ولا سيّما في هذا الظَّرفِ التَّاريخيِّ الدَّقيقِ الذي يُزَجُّ فيه المسلمونَ – سُنّةً وشيعةً- بصراعٍ دائمٍ، لإشْغالِهِم عن قضيّتِهِمِ المركزيّةِ وتحريرِ القُدُسِ الشَّريفِ، ومُواجهةِ الاستكبارِ العالميّ.
ثالثًا: تاريخُ قَرَأْناه وتَجْربةٌ عِشْناها ونَعيشُها، وهي أنَّ أصلَ الإرهابِ وتدميرِ البُلدانِ يتمثّلُ في «أمريكا والكيانِ الصُّهيونيِّ»، وما الحكوماتُ الدِّيكتاتوريّةُ والظّالمةُ والتكفيريّونَ سوى أجُنداتٍ لتنفيذِ المُخطّطِ الصُّهيو-أمريكيّ الإرهابيّ، وعليهِ كان الهَدفُ الاسْتراتيجيُّ للمُقاومةِ إخراجَ الأمريكيّ منَ المِنْطقةِ، كلِّ المِنْطقةِ، والبحرينُ ليستْ مُستثناةً من هذا الهدفِ، بلْ لعلّها في الطَّليعةِ لِوُجودِ الأُسْطولِ الأمريكيِّ الخامسِ على أراضِيها، فعلى المُجتمعِ البَحرينيِّ إذا أرادَ الاستقرارَ والأمانَ أن يعملَ على إقصاءِ هذا الوُجودِ الذي يُشكِّلُ خطرًا حقيقيًّا على المِنْطقةِ برِمّتِها وعلى دُولِ الجِوارِ، وهنا نُذَكّرُ شعبَنا المُقاومَ بأنّ أوّلَ يومِ جمعةٍ من شهرِ رمضانَ المُباركِ هو «اليومُ الوطنيُّ لطردِ القاعدةِ الأمريكيّةِ من البحرينِ»، وهو مناسبةٌ لتَجْديدِ رَفضِ بقاءِ هذا الوُجودِ المُدَمِّرِ في بلادِنا، ورفضِ التَّطبيعِ الذي هو أحدُ نِتاجاتِهِ.
رابعًا: لا ريبَ ولا شكَّ في أنَّ النِّظامَ السُّعوديَّ نظامٌ ينفّذُ أَجُنداتٍ صُهيو-أمريكيّةً بامتيازٍ، والشَّواهدُ التَّاريخيّةُ على ذلك يَطولُ ذِكْرُها، فهذا النِّظامُ دَمَويٌّ يتفنّنُ بقتلِ الأبرياءِ حتى أصبحَ لديهِ دمُ المُسلمِ الذي هو أشدُّ حرمةً عندَ اللهِ من هدمِ الكعبةِ حلالًا بفتاوى مُضلِّلةٍ من علماءِ السَّلاطينَ الفَاسدينَ والمُفْسدينَ، هو نظامٌ مُتصهينٌ ويخدمُ الاستكبارَ والصُّهيونيّةَ، ويفتعلُ الحُروبَ على الشُّعوبِ الإِسلاميّةِ من أجلِ البِقاءِ، وما إعداماتُهُ الأخيرةُ في مجزرةِ شعبانَ الكُبرى، قُبَيْل شهرِ اللهِ الفضيلِ، إلّا انعكاسٌ لطبيعتِهِ السَّوداءِ وإجرامِهِ المُتوحّشِ وسياستِهِ الرَّعناءِ الهَمجيّةِ، وادّعائِهِ الإسلامَ زورًا وبهتانًا، وعلى مُسلمِي العالمِ أنْ يستمرّوا باستنكارِ جرائمِ «ابنِ سلمانَ» والتَّنْديدِ بها وفَضْحِها في المَحَافلِ الدَّوْليّة، فمثلُ هذا النِّظامِ الإرهابيِّ لا يَسْتحقُّ البَقاءَ.
خامسًا: ونحنُ نستقبلُ شهرَ الأُخُوّةِ والتَّكاتُفِ، يَطيبُ لنا أنْ نُوَجِّهَ تَحيّةَ إجلالٍ وتَعظيمٍ إلى يَمَنِ الصُّمود، يَمَنِ الإيمانِ، يَمَنِ الجبالِ الشَّامخةِ في وجهِ عُدوانِ آلِ سُعودِ وحُلفائِهِم وعُملائِهِم، العُدوانِ الإجراميِّ والعَبَثيِّ الذي أحرقَ الأخضرَ واليابسَ، وقتلَ الأطفالَ والشَّبابَ والنِّساءَ والشُّيوخَ، ودمّرَ كلَّ قريةٍ ومدينةٍ، واستخدمَ مُختلفَ الأسلحةِ المُحرّمةِ دَوْليًّا، وبقيَ اليمنُ رغمَ هذا ثابتًا بأبنائِهِ، وغدا مدرسةَ الحُريّةِ والصُّمودِ والصَّبرِ لكلِّ الشُّعوبِ الحُرّةِ، حيثُ أذلَّ الجَبابرةَ والطَواغيتَ بقوّةٍ اكتسبَهَا من تَوحُّدِ شعبِهِ خلفَ قيادةٍ ناجحةٍ وحكيمةٍ في مواجهةِ خُططِ العُدوانِ سياسيًّا وعسكريًّا، وتَمَسُّكِها بقضايا الأُمّةِ وعلى رأسِها القضيّةُ الفلسطينيّةُ، وبعدَ سبعِ سنواتٍ من فشلِ العُدوانِ في تحقيقِ أهدافِهِ الخَبيثةِ، فحريٌّ بهذا العُدوانِ أن يُذعنَ للأمرِ الواقعِ، ويَرفعَ الحِصارَ كاملًا عن شعبِ اليمنِ الشَّقيقِ، برًّا وجوًّا وبحرًا، وأن يوقفَ آلةَ حربِهِ الشَّعواءِ، ليتمكّنَ الشَّعبُ اليمنيُّ من تقريرِ مصيرِهِ من دونِ إملاءاتٍ خارجيّةٍ.
ختامًا، نسألُ اللهَ تعالى أن يُعينَنَا وإيّاكُم على صيامِ شهرِ رمضانَ وقيامِهِ، وأن يَنعمَ علينا من فَضْلِهِ الواسِعِ، ويُوَفِّقَنَا في التَّقرّبِ إليه «عزَّ وجلَّ» والتَّمهيدِ لتَعجيلِ فرجِ خليفتِهِ في الأرضِ الإمامِ المهديِّ «عج»، والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكرِ، والدِّفاعِ عن العقيدةِ والدِّين، ومقاومةِ التَّطبيعِ والوُجودِ الأمريكيِّ، والوقوفِ والتَّضامنِ مع المظلومينَ والمُستضعفينَ في اليمنِ وفلسطينَ وفي كلِّ البُلدانِ الإسلاميّةِ، إنّه سميعٌ مجيبٌ.
رئيسُ مجلسِ شورى ائتلافِ شبابِ ثورةِ 14 فبراير
الجمعة 1 أبريل/ نيسان 2022 م